التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
١
مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
٢
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٣
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٤
بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ
٥
مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
٦
-الأنبياء

تفسير القرآن العظيم

هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها. وقال النسائي: حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم { فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } قال: "في الدنيا" . وقال تعالى: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [النحل: 1] وقال: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } [القمر: 1 - 2] الآية، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانىء أبي نواس الشاعر أنه قال: أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:

النَّاسُ في غَفَلاتِهِمْوَرَحَى المَنِيَّةِ تَطْحَنُ

فقيل له: من أين أخذ هذا؟ قال: من قول الله تعالى: { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وروى في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيد الآمدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة: أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً في العرب، وقد أردت أن اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ }.

ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار، فقال: { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } أي: جديد إنزاله، { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم، وقد حرفوه وبدلوه، وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله، تقرؤونه محضاً لم يشب؟ رواه البخاري بنحوه.

وقوله: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي: قائلين فيما بينهم خفية: { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً؛ لأنه بشر مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم، ولهذا قال: { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أي: أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر، وهو يعلم أنه سحر، فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب: { قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض. وقوله: { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي: السميع لأقوالكم، والعليم بأحوالكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد. وقوله: { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ } هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحراً، وتارة يجعلونه شعراً، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفترى، كما قال: { { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } [الإسراء: 48] وقوله: { فَلْيَأْتِنَا بِـآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلاَْوَّلُونَ } يعنون: كناقة صالح، وآيات موسى وعيسى، وقد قال الله: { { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلأَيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [الإسراء: 59] الآية، ولهذا قال تعالى: { مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } أي: ما آتينا قرية، من القرى التي بعث فيهم الرسل، آية على يدي نبيها، فآمنوا بها، بل كذبوا، فأهلكناهم بذلك، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلا، بل { { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [يونس: 96 ــــ 97] هذا كله وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى، وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال ابن أبي حاتمرحمه الله : ذكر عن زيد بن الحباب: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي، حدثني من شهد عبادة بن الصامت يقول: كنا في المسجد، ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يقرىء بعضُنا بعضاً القرآن، فجاء عبد الله بن أبي ابن سلول، ومعه نمرقة وزربية، فوضع واتكأ، وكان صبيحاً فصيحاً جدلاً، فقال: يا أبا بكر قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون، جاء موسى بالألواح، وجاء داود بالزبور، وجاء صالح بالناقة، وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: قوموا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه لا يقام لي، إنما يقام لله عز وجل" فقلنا: يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق، فقال: "إن جبريل قال لي: اخرج، فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك، وفضيلته التي فضلت بها، فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود، وأمرني أن أنذر الجن، وآتاني كتابه وأنا أمي، وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر، وذكر اسمي في الأذان، وأمدني بالملائكة، وآتاني النصر، وجعل الرعب أمامي، وآتاني الكوثر، وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة وروداً، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعون رؤوسهم، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب، وآتاني السلطان والملك، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم، فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش، وأحل لي ولأمتي الغنائم، ولم تحل لأحد كان قبلنا" وهذا الحديث غريب جداً.