يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكاً، قال ابن جرير: يعني: لكل أمة نبي منسكاً، قال: وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان، ويتردد إليه، إما لخير، أو شر، قال: ولهذا سميت مناسك الحج بذلك؛ لترداد الناس إليها، وعكوفهم عليها، فإن كان كما قال من أن المراد لكل أمة نبي جعلنا منسكاً، فيكون المراد بقوله: فلا ينازعنك في الأمر، أي: هؤلاء المشركين، وإن كان المراد لكل أمة جعلنا منسكاً جعلاً قدرياً؛ كما قال:
{ { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة: 148] ولهذا قال ههنا: { هُمْ نَاسِكُوهُ } أي: فاعلوه، فالضمير ههنا عائد على هؤلاء الذين لهم مناسك وطرائق، أي: هؤلاء إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته، فلا تتأثر بمنازعتهم لك، ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق، ولهذا قال: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي: طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود، وهذا كقوله: { { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } [القصص: 87]. وقوله: { وَإِن جَـٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }. كقوله:
{ { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41]. وقوله: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } تهديد شديد ووعيد أكيد؛ كقوله: { { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } [الأحقاف: 8] ولهذا قال: { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } وهذه كقوله تعالى: { { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . [الشورى: 15] الآية.