التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ
٢
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ
٣
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ
٤
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
٥
إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
٦
فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ
٧
وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
٩
أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١١
-المؤمنون

تفسير القرآن العظيم

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرني يونس بن سليم قال: أملى علي يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، يسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ساعة، فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا ــــ ثم قال ــــ لقد أنزل علي عشر آيات، من أقامهن، دخل الجنة" ثم قرأ: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } حتى ختم العشر، ورواه الترمذي في تفسيره، والنسائي في الصلاة من حديث عبد الرزاق به، وقال الترمذي: منكر، لا نعرف أحداً رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه.

وقال النسائي في تفسيره: أنبأنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جعفر عن أبي عمران عن يزيد بن بابنوس قال: قلنا لعائشة يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فقرأت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ــــ حتى انتهت إلى ــــ { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ } قالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وأبي العالية وغيرهم: لما خلق الله جنة عدن، وغرسها بيده، نظر إليها، وقال لها: تكلمي، فقالت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قال كعب الأحبار: لما أعد لهم من الكرامة فيها. وقال أبو العالية: فأنزل الله ذلك في كتابه.

وقد روي ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، فقال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا المغيرة بن سلمة، حدثنا وهيب عن الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وغرسها وقال لها: تكلمي، فقالت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فدخلتها الملائكة، فقالت: طوبى لك منزل الملوك، ثم قال: وحدثنا بشر بن آدم، وحدثنا يونس بن عبيد الله العمري، حدثنا عدي بن الفضل، حدثنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك ــــ قال البزار: ورأيت في موضع آخر في هذا الحديث: حائط الجنة لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك ــــ فقال لها: تكلمي، فقالت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فقالت الملائكة: طوبى لك منزل الملوك" ثم قال البزار: لا نعلم أحداً رفعه إلا عدي بن الفضل، وليس هو بالحافظ. وهو شيخ متقدم الموت.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن علي، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله جنة عدن، خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ }" بقية عن الحجازيين ضعيف. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا منجاب بن الحارث، حدثنا حماد بن عيسى العبسي، عن إسماعيل السدي عن أبي صالح عن ابن عباس يرفعه: "لما خلق الله جنة عدن بيده، ودلى فيها ثمارها، وشق فيها أنهارها، ثم نظر إليها فقال: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل" .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن المثنى البزار، حدثنا محمد بن زياد الكلبي، حدثنا يعيش بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدن بيده: لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها: انطقي، قالت: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فقال الله: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9].

وقوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي: قد فازوا وسعدوا، وحصلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { خَـٰشِعُونَ }: خائفون ساكنون، وكذا روي عن مجاهد والحسن وقتادة والزهري. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الخشوع خشوع القلب، وكذا قال إبراهيم النخعي. وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح، وقال محمد بن سيرين: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. قال محمد بن سيرين: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مصلاه، فإن كان قد اعتاد النظر، فليغمض، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. ثم روى ابن جرير عنه وعن عطاء بن أبي رباح أيضاً مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، حتى نزلت هذه الآية، والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له، وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبب إليّ الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة" .

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال أرحنا بالصلاة" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد: أن محمد بن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار، فحضرت الصلاة، فقال: يا جارية ائتيني بوضوء؛ لعلي أصلي فأستريح، فرآنا أنكرنا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" .

وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك؛ كما قاله بعضهم، والمعاصي؛ كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال؛ كما قال تعالى: { { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } [الفرقان: 72] قال قتادة: أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك. وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ } الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: { { وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام: 141] وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس؛ كقوله: { { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّٰهَا } [الشمس: 9 ــــ 10] وكقوله: { { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } [فصلت: 6 ــــ 7] على أحد القولين في تفسيرهما، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا، والله أعلم.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي: والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنى ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له، فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } أي: غير الأزواج والإماء { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي: المعتدون. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد عن قتادة: أن امرأة اتخذت مملوكها، وقالت: تأولت آية من كتاب الله: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها، قال: فغرب العبد وجز رأسه، وقال: أنت بعده حرام على كل مسلم، هذا أثر غريب منقطع، ذكره ابن جرير في تفسير أول سورة المائدة، وهو ههنا أليق، وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها، والله أعلم.

وقد استدل الإمام الشافعيرحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال الله تعالى: { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، ومن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره" هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته، والله أعلم.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لاَِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ } أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا، أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" . وقوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ } أي: يواظبون عليها في مواقيتها؛ كما قال ابن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" . قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" . قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" . أخرجاه في "الصحيحين". وفي مستدرك الحاكم قال: "الصلاة في أول وقتها" .

وقال ابن مسعود ومسروق في قوله: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ } يعني: في مواقيت الصلاة، وكذا قال أبو الضحى وعلقمة بن قيس وسعيد بن جبير وعكرمة. وقال قتادة: على مواقيتها وركوعها وسجودها، وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة، واختتمها بالصلاة، فدل على أفضليتها؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }. وثبت في "الصحيحين": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن" .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ }" وقال ابن جريج عن ليث عن مجاهد: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ } قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن، فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر، فيهدم بيته الذي في الجنة، ويبنى بيته الذي في النار. وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى" ، وفي لفظ له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة، دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار" فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: فحلف له، قلت: وهذه الآية كقوله تعالى: { { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } [مريم: 63] وكقوله: { { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِىۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الزخرف:72] وقد قال مجاهد وسعيد بن جبير، الجنة بالرومية هي الفردوس، وقال بعض السلف: لا يسمى البستان الفردوس إلا إذا كان فيه عنب، فالله أعلم.