يقول تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم: { رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّى مَا يُوعَدُونَ } أي: إن عاقبتهم، وأنا أشاهد ذلك، فلا تجعلني فيهم؛ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه:
"وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفَّني إليك غير مفتون" . وقوله تعالى: { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَـٰدِرُونَ } أي: لو شئنا لأريناك ما نحل بهم من النقم والبلاء والمحن. ثم قال تعالى مرشداً له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء إليه؛ ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة، وبغضه محبة، فقال تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } وهذا كما قال في الآية الأخرى: { { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 34 ــــ 35] الآية، أي: وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة أو الصفة { { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [فصلت: 35] أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم القبيح { { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ } [فصلت: 35] أي: في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ } أمره الله أن يستعيذ من الشياطين؛ لأنهم لا تنفع معهم الحيل، ولا ينقادون بالمعروف، وقد قدمنا عند الاستعاذة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
"أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" . وقوله تعالى: { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أي: في شيء من أمري، ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور، وذلك لطرد الشيطان؛ عند الأكل والجماع والذبح وغير ذلك من الأمور، ولهذا روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من من الهرم، وأعوذ بك الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت" وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عد جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن عند النوم من الفزع: "باسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" قال: فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان منهم صغيراً لا يعقل أن يحفظها، كتبها له، فعلقها في عنقه. ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محمد بن إسحاق. وقال الترمذي: حسن غريب.