التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ
١٥٣
مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
١٥٤
قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
١٥٥
وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥٦
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ
١٥٧
فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٥٨
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٥٩
-الشعراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح عليه السلام حين دعاهم إلى عبادة ربهم عز وجل: أنهم { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } قال مجاهد وقتادة: يعنون: من المسحورين. وروى أبو صالح عن ابن عباس: { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } يعني: من المخلوقين، واستشهد بعضهم على هذا بقول الشاعر:

فَإِنْ تَسْأَلينا: فيمَ نَحْنُ؟ فَإِنَّنا عَصافيرُ منْ هذا الأَنامِ المُسَحَّرِ

يعني: الذين لهم سحور، والسحر هو الرئة. والأظهر في هذا قول مجاهد وقتادة أنهم يقولون: إنما أنت في قولك هذا مسحور، لا عقل لك، ثم قالوا: { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } يعني: فكيف أوحي إليك دوننا؟ كما قالوا في الآية الأخرى: { { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [القمر: 25 ــــ 26] ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها؛ ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم، وقد اجتمع ملؤهم، وطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء ــــ وأشاروا إلى صخرة عندهم ــــ من صفتها كذا وكذا، فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق؛ لئن أجابهم إلى ما سألوا، ليؤمنن به، وليصدقنه،وليتبعنه، فأعطوه ذلك، فقام نبي الله صالح عليه السلام فصلى، ثم دعا الله عز وجل أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء على الصفة التي وصفوها، فآمن بعضهم، وكفر أكثرهم { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } يعني ترد ماءكم يوماً، ويوماً تردونه أنتم، { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فحذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حيناً من الدهر، ترد الماء، وتأكل الورق والمرعى، وينتفعون بلبنها، يحلبون منها ما يكفيهم شرباً ورياً، فلما طال عليهم الأمد، وحضر شقاؤهم، تمالؤوا على قتلها وعقرها، { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـٰدِمِينَ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } وهو أن أرضهم زلزلت زلزالاً شديداً، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب من محالها، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون، وأصبحوا في ديارهم جاثمين، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }.