يقول تعالى مخبراً عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم{وَإِنَّهُ} أي: القرآن، ذكره في أول السورة في قوله:
{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } [الأنبياء: 2] الآية {لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} أي: أنزله الله عليك، وأوحاه إليك، {نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ} وهو جبريل عليه السلام، قاله غير واحد من السلف: ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة وعطية العوفي والسدي والضحاك والزهري وابن جريج، وهذا مما لا نزاع فيه. قال الزهري: وهذه كقوله: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [البقرة: 97] وقال مجاهد: من كلمه الروح الأمين، لا تأكله الأرض {عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ} أي: نزل به ملك كريم أمين ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى {عَلَىٰ قَلْبِكَ} يا محمد سالماً من الدنس والزيادة والنقص {لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ} أي: لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشر به المؤمنين المتبعين له. وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ} أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك، أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل؛ ليكون بيناً واضحاً ظاهراً، قاطعاً للعذر، مقيماً للحجة، دليلاً إلى المحجة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي، حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن موسى بن محمد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في يوم دجن، إذ قال لهم:
"كيف ترون بواسقها؟" قالوا: ما أحسنها وأشد تراكمها قال: "فكيف ترون قواعدها؟" قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها قال: "فكيف ترون جونَها؟" قالوا: ما أحسنه وأشد سواده قال: "فيكف ترون رحاها استدارت؟" قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها قال "فكيف ترون برقها: أوميض أم خَفْوٌ، أم يشق شقاً؟" قالوا: بل يشق شقاً، قال: "الحياء الحياء إن شاء الله" . قال: فقال رجل: يا رسول الله بأبي وأمي، ما أفصحك ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال: فقال: "حق لي وإنما أنزل القرآن بلساني، والله يقول: {بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ}" وقال سفيان الثوري: لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم ترجم كل نبي لقومه، واللسان يوم القيامة بالسريانية، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية، رواه ابن أبي حاتم.