التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٠٠
لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٢٠١
فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٢٠٢
فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ
٢٠٣
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ
٢٠٤
أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ
٢٠٥
ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ
٢٠٦
مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ
٢٠٧
وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ
٢٠٨
ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٠٩
-الشعراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي: أدخلناه في قلوب المجرمين { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بالحق { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } أي: حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } أي: عذاب الله بغتة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } أي: يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلاً؛ ليعملوا في زعمهم بطاعة الله؛ كما قال الله تعالى: { { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } ــــ إلى قوله ــــ { { لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } [إبراهيم: 44] فكل ظالم وفاجر إذا شاهد عقوبته، ندم ندماً شديداً، هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله: { { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ــــ إلى قوله ــــ { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [يونس: 88-89] فأثرت هذه الدعوة في فرعون، فما آمن حتى رأى العذاب الأليم { { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } ــــ إلى قوله ــــ { { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [يونس: 90 ــــ 91] وقال تعالى: { { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84] الآيات.

وقوله تعالى: { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ }؟ إنكار عليهم، وتهديد لهم؛ فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيباً واستبعاداً: ائتنا بعذاب الله، كما قال تعالى: { { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [الحج: 47] الآيات، ثم قال: { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } أي: لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان، وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم؟ { { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } [النازعات: 46] وقال تعالى: { { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } [البقرة: 96] وقال تعالى: { { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [الليل: 11] ولهذا قال تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ }.

وفي الحديث الصحيح: "يؤتى بالكافر، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا والله يا رب" أي: ما كأن شيئاً كان. ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:

كأنَّكَ لم تُؤثر من الدَّهْرِ ليلةًإذا أنتَ أدركتَ الذي أنتَ تطلُبُ

ثم قال تعالى مخبراً عن عدله في خلقه: أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم، وبعثة الرسل إليهم، وقيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } كما قال تعالى: { { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] وقال تعالى: { { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِىۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَا } ــــ إلى قوله ــــ { { وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ } [القصص: 59].