التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ
٢١٠
وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ
٢١١
إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
٢١٢
-الشعراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ }، ثم ذكر أنه يمتنع عليهم ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ما ينبغي لهم، أي: ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم؛ لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى: { وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ }.

وقوله تعالى: { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أي: ولو انبغى لهم، ما استطاعوا ذلك، قال الله تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللهِ } [الحشر: 21] ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرساً شديداً وشهباً في مدة إنزال القرآن على رسول الله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه؛ لئلا يشتبه الأمر، وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله، ولهذا قال تعالى: { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } كما قال تعالى مخبراً عن الجن: { { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلأَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } ــــ إلى قوله ـــ { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } [الجن: 8 ــــ 10].