التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ
٢٤
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ
٢٥
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٦
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
٢٧
قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
٢٨
-الشعراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده في قوله: { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وذلك أنه كان يقول لقومه: { { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } وكانوا يجحدون الصانع جل وعلا، ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال له موسى: إني رسول رب العالمين، قال له فرعون: ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف، حتى قال السدي: هذه الآية كقوله تعالى: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِىۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50] ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية، فقد غلط، فإنه لم يكن مقراً بالصانع حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحداً له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه، فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين: { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } أي: خالق جميع ذلك، ومالكه والمتصرف فيه، وإلهه، لا شريك له، هو الذي خلق الأشياء كلها؛ العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار، وما بين ذلك من الهواء والطير، وما يحتوي عليه الجو، الجميع عبيد له خاضعون ذليلون، { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي: إن كانت لكم قلوب موقنة، وأبصار نافذة، فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلاً لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله: { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } أي: ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه أن لكم إلهاً غيري؟ فقال لهم موسى: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: خالقكم وخالق آبائكم الأولين، الذين كانوا قبل فرعون وزمانه. { قَالَ } أي: فرعون لقومه: { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِىۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } أي: ليس له عقل في دعواه أن ثم رباً غيري. { قَالَ } أي: موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة، فأجاب موسى بقوله: { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي: هو الذي جعل المشرق مشرقاً تطلع منه الكواكب، والمغرب مغرباً تغرب فيه الكواكب؛ ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها، فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقاً، فليعكس الأمر، وليجعل المشرق مغرباً، والمغرب مشرقاً؛ كما قال تعالى عن { { ٱلَّذِى حَآجَّ إِبْرَٰهِيمَ فِى رِبِّهِ أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ } [البقرة: 258] الآية. ولهذا لما غلب فرعون، وانقطعت حجته، عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له، ونافذ في موسى عليه السلام، فقال ما أخبر الله تعالى عنه