قد تقدم الكلام في سورة البقرة على الحروف المقطعة في أوائل السور. وقوله تعالى: { تِلْكَ آيَـٰتُ } أي: هذه آيات { ٱلْقُرْءَانِ وَكِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } أي: بين واضح { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به، واتبعه وصدقه، وعمل بما فيه، وأقام الصلاة المكتوبة، وآتى الزكاة المفروضة، وأيقن بالدار الآخرة، والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال: خيرها وشرها، والجنة والنار، كما قال تعالى:
{ { وَعَرَبِىٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ } [فصلت: 44] الآية. وقال تعالى: { { لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } [مريم: 97]. ولهذا قال تعالى ههنا: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أي: يكذبون بها، ويستبعدون وقوعها { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي: حسّنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم، فهم يتيهون في ضلالهم، وكان هذا جزاء على ما كذبوا من الدار الآخرة؛ كما قال تعالى: { { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَـٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 110] الآية. { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } أي: في الدنيا والآخرة، { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أي: ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر. وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي: { وَإِنَّكَ } يا محمد { لَتُلَقَّى } أي: لتأخذ { ٱلْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي: من عند حكيم عليم، أي: حكيم في أمره ونهيه، عليم بالأمور: جليلها وحقيرها، فخبره هو الصدق المحض، وحكمه هو العدل التام؛ كما قال تعالى: { { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [الأنعام: 115].