قال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: {إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ} قال: كان ابن عمه، وهكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل وسماك بن حرب وقتادة ومالك ابن دينار وابن جريج وغيرهم: إنه كان ابن عم موسى عليه السلام. قال ابن جريج: هو قارون بن يصهر ابن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث. وزعم محمد بن إسحاق بن يسار أن قارون كان عم موسى بن عمران عليه السلام، قال ابن جريج: وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه، والله أعلم. وقال قتادة بن دعامة: كنا نحدث أنه كان ابن عم موسى، وكان يسمى المنور؛ لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي؛ لكثرة ماله. وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبراً طولاً ترفعاً على قومه.
وقوله: {وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ} أي: الأموال {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ} أي: ليثقل حملها الفئام من الناس لكثرتها. قال الأعمش عن خيثمة: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدته، فإذا ركب، حملت على ستين بغلاً أغر محجلاً، وقيل غير ذلك، والله أعلم. وقوله: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ} أي: وعظه فيما هو فيه صالحو قومه، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد: لا تفرح بما أنت فيه، يعنون: لا تبطر بما أنت فيه من المال، {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ} قال ابن عباس: يعني: المرحين. وقال مجاهد: يعني: الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.
وقوله: {وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا} أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك، والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة، {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا} أي: مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، فآت كل ذي حق حقه، {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ} أي: أحسن إلى خلقه؛ كما أحسن هو إليك، {وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ} أي: لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض، وتسيء إلى خلق الله، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ}.