التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
١٩
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٠
يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
٢١
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٢٢
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٣
-العنكبوت

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن الخليل عليه السلام: أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم؛ من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، ثم وجدوا وصاروا أناساً سامعين مبصرين، فالذي بدأ هذا قادر على إعادته، فإنه سهل عليه، يسير لديه، ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات، والأرضين وما فيها من مهاد وجبال، وأودية وبراري وقفار، وأشجار وأنهار، وثمار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي يقول للشيء: كن فيكون، ولهذا قال: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } كقوله تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27] ثم قال تعالى: { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأَخِرَةِ } أي: يوم القيامة، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: { { سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلآفَاقِ وَفِىۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53] وكقوله تعالى: { { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } [الطور: 35 ــــ 36].

وقوله تعالى: { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } أي: هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل؛ لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة؛ كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن: "إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم" ولهذا قال تعالى: { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي: ترجعون يوم القيامة.

وقوله تعالى: { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلْسَمَآءِ } أي: لا يعجزه أحد من أهل سمواته وأرضه، بل هو القاهر فوق عباده، فكل شيء خائف منه، فقير إليه، وهو الغني عما سواه، { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ نَصِيرٍ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـأَيَـٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } أي: جحدوها، وكفروا بالمعاد، { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى } أي: لا نصيب لهم فيها، { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع شديد في الدنيا والآخرة.