التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
١٨١
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
١٨٢
ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٨٣
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
١٨٤
-آل عمران

تفسير القرآن العظيم

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى: { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [البقرة: 245] قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } الآية، رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم. وقال محمد بن إِسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس، فوجد من يهود أناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له أشيع، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فو الله إِنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إِلى الله من حاجة من فقر، وإِنه إِلينا لفقير، ما نتضرع إِليه كما يتضرع إِلينا، وإِنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويُعْطناه، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر رضي الله عنه، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "ما حملك على ما صنعت؟" فقال: يا رسول الله، إِن عدو الله قد قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير، وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك، غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد فنحاص ذلك، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله فيما قال فنحاص؛ رداً عليه، وتصديقاً لأبي بكر: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } الآية، رواه ابن أبي حاتم. وقوله: { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } تهديد ووعيد، ولهذا قرنه تعالى بقوله: { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي: هذا قولهم في الله، وهذه معاملتهم لرسل الله، وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء، ولهذا قال تعالى: { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي: يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً، وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } يقول تعالى تكذيياً أيضاً لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إِليهم في كتبهم، أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته، فتقبلت منه، أن تنزل نار من السماء تأكلها، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما. قال الله عز وجل: { قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } أي: بالحجج والبراهين، { وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ } أي: وبنار تأكل القرابين المتقبلة، { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ } أي: فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل. ثم قال تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } أي: لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك، فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاؤوا به من البينات، وهي الحجج والبراهين القاطعة، { وَٱلزُّبُرِ } وهي الكتب المتلقاة من السماء؛ كالصحف المنزلة على المرسلين، { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } أي: البين الواضح الجلي.