التفاسير

< >
عرض

أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
٨٣
قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
٨٤
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٨٥
-آل عمران

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين الله الذي أنزل به كتبه، وأرسل به رسله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً، كما قال تعالى: { { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } [الرعد: 15] الآية، وقال تعالى: { { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَٰخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [النحل: 48 ـ 50] فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرهاً، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع، وقد ورد حديث في تفسير هذه الآية على معنى آخر فيه غرابة، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن النضر العسكري، حدثنا سعيد ابن حفص النفيلي، حدثنا محمد بن محصن العكاشي، حدثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن النبي صلى الله عليه وسلم { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا }: "أما من في السموات، فالملائكة، وأما من في الأرض، فمن ولد على الإسلام، وأما كرهاً، فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنة وهم كارهون" . وقد ورد في الصحيح: "عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" وسيأتي له شاهد من وجه آخر، ولكن المعنى الأول للآية أقوى، وقد قال وكيع في تفسيره: حدثنا سفيان عن منصور، عن مجاهد { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } قال: هو كقوله: { { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ } [لقمان: 25] وقال أيضاً: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } قال: حين أخذ الميثاق، { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أي: يوم المعاد، فيجازي كلاً بعمله. ثم قال تعالى: { قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } يعني: القرآن، { وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } أي: من الصحف والوحي، { وَٱلأَسْبَاطِ } وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ الاثني عشر، { وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } يعني بذلك: التوراة والإنجيل، { وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } وهذا يعم جميع الأنبياء جملة { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } يعني: بل نؤمن بجميعهم { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل، وبكل كتاب أنزل، لا يكفرون بشيء من ذلك، بل هم يصدقون بما أنزل من عند الله، وبكل نبي بعثه الله.

ثم قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } الآية، أي: من سلك طريقاً سوى ما شرعه الله، فلن يقبل منه { وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" . وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب، أنا الصلاة؛ فيقول: إنك على خير؛ وتجيء الصدقة فتقول: يا رب، أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب، أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول الله تعالى: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب، أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله تعالى: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي، قال الله في كتابه: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ }" . تفرد به أحمد، قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد: عباد بن راشد ثقة، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.