قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم، فأرسل إلى قومه أن: سلوا لي رسول الله، هل لي من توبة؟ فنزلت: { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } إلى قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إليه قومه، فأسلم، وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند، به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال عبد الرزاق: أنبأنا جعفر ابن سليمان، حدثنا حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: جاء الحارث بن سويد، فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كفر الحارث، فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه: { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } إلى قوله { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال: فحملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك ـ والله ما علمت ـ لصدوق، وإن رسول الله لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث، فأسلم، فحسن إسلامه، فقوله تعالى: { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتٌُ } أي: قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول، ووضح لهم الأمر، ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية؟ ولهذا قال تعالى: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. ثم قال تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } أي: يلعنهم الله، ويلعنهم خلقه، { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي: في اللعنة، { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: لا يفتر عنهم العذاب، ولا يخفف عنهم ساعة واحدة، ثم قال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه؛ أن من تاب إليه، تاب عليه.