يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة، وقالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل، حقيرين ذليلين، ناكسي رؤوسهم، أي: من الحياء والخجل يقولون: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي: نحن الآن نسمع قولك، ونطيع أمرك؛ كما قال تعالى:
{ { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [مريم: 38] وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم: { { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىۤ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك: 10] وهكذا هؤلاء يقولون: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي: إلى دار الدنيا { نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } أي: قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق، ولقاءك حق، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا، لكانوا كما كانوا فيها كفاراً يكذبون بآيات الله، ويخالفون رسله، كما قال تعالى: { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِـآيَـٰتِ رَبِّنَا } [الأنعام: 27] الآية، وقال ههنا: { وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } كما قال تعالى: { { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } [يونس: 99]. { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } أي: من الصنفين، فدارهم النار لامحيد لهم عنها، ولا محيص لهم منها، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك، { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } أي: يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له { إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ } أي: سنعاملكم معاملة الناسي؛ لأنه تعالى لا ينسى شيئاً، ولا يضل عنه شيء، بل من باب المقابلة؛ كما قال تعالى: { { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذّآ } [الجاثية: 34] وقوله تعالى: { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: بسبب كفركم وتكذيبكم؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: { { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَآءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } [النبأ: 24 ــــ 30].