التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً
٢١
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً
٢٢
-الأحزاب

تفسير القرآن العظيم

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إِلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي: هلا اقتديتم به، وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى: { لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }.

ثم قال تعالى مخبراً عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة: يعنون قوله تعالى في سورة البقرة: { { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214] أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب، ولهذا قال تعالى: { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }. وقوله تعالى: { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إِلى الناس وأحوالهم؛ كما قال جمهور الأئمة: إِنه يزيد وينقص، وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة، ومعنى قوله جلت عظمته: { وَمَا زَادَهُمْ } أي: ذلك الحال والضيق والشدة { إِلاَّ إِيمَاناً } بالله { وَتَسْلِيماً } أي: انقياداً لآوامره، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم