التفاسير

< >
عرض

أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ
١٩
لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ
٢٠
-الزمر

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: أفمن كتب الله أنه شقي، تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟ أي: لا يهديه أحد من بعد الله؛ لأنه من يضلل الله، فلا هادي له، ومن يهده، فلا مضل له. ثم أخبر عز وجل عن عباده السعداء: أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور، أي: الشاهقة { مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات. قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة لغرفاً يرى بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها" فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام" ورواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، وقال: حسن غريب. وقد تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى والناس نيام" تفرد به أحمد من حديث عبد الله بن معانق الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه به. وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في أفق السماء" قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش، فقال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: "كما تراءون الكوكب الذي في الأفق الشرقي أو الغربي" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي حازم، وأخرجاه أيضاً في الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أحمد: حدثنا فزارة، أخبرني فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة أهل الغرف كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع؛ في تفاضل أهل الدرجات" فقالوا: يا رسول الله أولئك النبيون؟ فقال صلى الله عليه وسلم "بلى والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله، وصدقوا الرسل" ورراه الترمذي عن سويد عن ابن المبارك عن فليح به، وقال: حسن صحيح. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا: حدثنا زهير، حدثنا سعد الطائي، حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين رضي الله عنهما: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قلنا: يا رسول الله إنا إذا رأيناك، رقت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك، أعجبتنا الدنيا، وشممنا النساء والأولاد، قال صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا، لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون كي يغفر لهم" قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال صلى الله عليه وسلم "لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، ثلاث لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم؛ تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السموات، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" وروى الترمذي وابن ماجه بعضه من حديث سعد أبي مجاهد الطائي، وكان ثقة، عن أبي المدله، وكان ثقة، به. وقوله تعالى: { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي: تسلك الأنهار من خلال ذلك كما يشاؤون وأين أرادوا { وَعْدَ ٱللَّهِ } أي: هذا الذي ذكرناه وعد وَعَدَه الله عباده المؤمنين، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }.