التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً
١٠٣
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

تفسير القرآن العظيم

يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف، وإن كان مشروعاً مرغباً فيه أيضاً بعد غيرها، ولكن ههنا آكد؛ لما وقع فيها من التخفيف في أركانها، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب، وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها، كما قال تعالى في الأشهر الحرم: { { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } [التوبة: 36] وإن كان هذا منهياً عنه في غيرها، ولكن فيها آكد؛ لشدة حرمتها وعظمتها، ولهذا قال تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } أي: في سائر أحوالكم، ثم قال تعالى: { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } أي: فإذا أمنتم وذهب الخوف، وحصلت الطمأنينة { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } أي: فأتموها وأقيموها كما أمرتم؛ بحدودها، وخشوعها، وركوعها، وسجودها، وجميع شؤونها.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال ابن عباس: أي: مفروضاً، وقال أيضاً: إن للصلاة وقتاً كوقت الحج، وكذا روي عن مجاهد وسالم بن عبد الله وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والحسن ومقاتل والسدي وعطية العوفي. قال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتاً كوقت الحج. وقال زيد بن أسلم { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال: منجماً، كلما مضى نجم، جاء نجم، يعني: كلما مضى وقت، جاء وقت.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } أي: كما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، كما قال تعالى: { { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [آل عمران: 140]، ثم قال تعالى: { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } أي: أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد؛ كما وعدكم إياه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو وعد حق، وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئاً من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلائها، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أي: هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه، وينفذه ويمضيه؛ من أحكامه الكونية والشرعية، وهو المحمود على كل حال.