التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً
١٣٧
بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٣٨
ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً
١٣٩
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً
١٤٠
-النساء

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان، ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً، ولا طريقاً إلى الهدى، ولهذا قال: { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا حفص بن جميع عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } قال: تمادَوا على كفرهم حتى ماتوا، وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي، عن علي رضي الله عنه، أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثاً، ثم تلا هذه الآية: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }. ثم قال: { بَشِّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يعني: أن المنافقين من هذه الصفة، فإنهم آمنوا ثم كفروا، فطبع على قلوبهم، ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بمعنى أنهم معهم في الحقيقة، يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم، إنما نحن مستهزئون، أي: بالمؤمنين؛ في إظهارنا لهم الموافقة، قال الله تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين: { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ }، ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له، ولمن جعلها له؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: { { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10]. وقال تعالى: { { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8]، والمقصود من هذا التهييجُ على طلب العزة من جناب الله، والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدينا، ويوم يقوم الأشهاد. ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد الكندي، عن عبادة بن نسيء، عن أبي ريحانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يريد بهم عزاً وفخراً، فهو عاشرهم في النار" تفرد به أحمد، وأبو ريحانة هذا هو أزدي، ويقال: أنصاري، واسمه شمعون، بالمعجمة، فيما قاله البخاري، وقال غيره: بالمهملة، والله أعلم.

وقوله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ }، أي: إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله، ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال تعالى: { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } في المأثم، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } الآية، قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الآية التي في سورة الأنعام، يعني نسخ قوله: { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } لقوله: { { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 69]. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً } أي: كما أشركوهم في الكفر، كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً، ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال، والقيود والأغلال، وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.