هذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام؛ فيما كانوا حرموا من الأنعام، وجعلوها أجزاء وأنواعاً: بحيرة وسائبة ووصيلة وحاماً، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار، فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشاً، ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم، وهو بياض، وهو الضأن، وسواد، وهو المعز، ذكره وأنثاه، وإلى إبل؛ ذكورها وإناثها، وبقر كذلك، وأنه تعالى لم يحرم شيئاً من ذلك، ولا شيئاً من أولادها، بل كلها مخلوقة لبني آدم؛ أكلاً وركوباً وحمولة وحلباً، وغير ذلك من وجوه المنافع، كما قال:
{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6] الآية. وقوله تعالى: { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } رد عليهم في قولهم: { { مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [الأنعام: 139] الآية. وقوله تعالى: { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي: أخبروني عن يقين، كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك؟ وقال العوفي عن ابن عباس: قوله: { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } فهذه أربعة أزواج { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } يقول: لم أحرم شيئاً من ذلك { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } يعني: هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضاً وتحلون بعضاً؟ { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يقول تعالى: كله حلال. وقوله تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله؛ من تحريم ما حرموه من ذلك، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: لا أحد أظلم منهم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وأول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي ابن قمعة؛ لأنه أول من غير دين الأنبياء، وأول من سيب السوائب، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي؛ كما ثبت ذلك في الصحيح.