يقول تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ} يعني: آدم عليه السلام؛ كما قال:
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } [النساء: 1] وقوله: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} اختلفوا في معنى ذلك، فعن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي عبد الرحمن السلمي، وقيس بن أبي حازم، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة، والسدي، وعطاء الخراساني، وغيرهم: {فَمُسْتَقَرٌّ} أي: في الأرحام، قالوا، أو: أكثرهم: {وَمُسْتَوْدَعٌ} أي: في الأصلاب، وعن ابن مسعود وطائفة عكسه، وعن ابن مسعود أيضاً وطائفة: فمستقر: في الدنيا، ومستودع: حيث يموت، وقال سعيد بن جبير: فمستقر: في الأرحام، وعلى ظهر الأرض، وحيث يموت، وقال الحسن البصري: المستقر: الذي قد مات، فاستقر به عمله، وعن ابن مسعود: ومستودع: في الدار الآخرة، والقول الأول أظهر، والله أعلم. وقوله تعالى: {قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} أي: يفهمون ويعون كلام الله ومعناه، وقوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} أي: بقدر، مباركاً ورزقاً للعباد، وإحياء وغياثاً للخلائق؛ رحمة من الله بخلقه {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ} كقوله:
{ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ } [الأنبياء: 30] {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} أي: زرعاً وشجراً أخضر، ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر، ولهذا قال تعالى: {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً} أي: يركب بعضه بعضاً؛ كالسنابل ونحوها، {وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَٰنٌ} أي: جمع قنو، وهي عذوق الرطب {دَانِيَةٌ} أي: قريبة من المتناول؛ كما قال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس: {قِنْوَٰنٌ دَانِيَةٌ} يعني: بالقنوان الدانية: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض، رواه ابن جرير. قال ابن جرير: وأهل الحجاز يقولون: قِنْوان، وقيس يقول قُنْوان، قال امرؤ القيس:فأتَّتْ أعاليه وآدَتْ أُصولُهُومالَ بقِنْوانٍ منَ البُسْرِ أَحْمَرا
وقال: وتميم يقولون: قُنْيَان، بالياء. قال: وهي جمع قِنْو، كما أن صِنْوان جمع صِنْو، وقوله تعالى: {وَجَنَّـٰتٍ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ} أي: ونخرج منه جنات من أعناب، وهذان النوعان هما أشرف الثمار عند أهل الحجاز، وربما كانا خيار الثمار في الدنيا؛ كما امتن الله بهما على عباده، في قوله تعالى: { وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } [النحل: 67] وكان ذلك قبل تحريم الخمر، وقال: { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ } [يس: 34]. وقوله تعالى: {وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ} قال قتادة وغيره: متشابه في الورق والشكل، قريب بعضه من بعض، ومتخالف في الثمار شكلاً وطعماً وطبعاً، وقوله تعالى: {ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} أي: نضجه، قاله البراء بن عازب، وابن عباس، والضحاك، وعطاء الخراساني، والسدي، وقتادة، وغيرهم، أي: فكروا في قدرة خالقه من العدم إلى الوجود، بعد أن كان حطباً، صار عنباً ورطباً، وغير ذلك مما خلق سبحانه وتعالى؛ من الألوان والأشكال والطعوم والروائح، كقوله تعالى: { وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرَٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوَٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ } [الرعد: 4] الآية، ولهذا قال ههنا: {إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ} أيها الناس {لآيَـٰتٍ} أي: دلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: يصدقون به، ويتبعون رسله.