يقول تعالى إخباراً عن نوح أنه قال لقومه: {أَوَ عَجِبْتُمْ} الآية، أي: لا تعجبوا من هذا؛ فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم؛ رحمة بكم ولطفاً وإحساناً إليكم؛ لينذركم، ولتتقوا نقمة الله، ولا تشركوا به {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قال الله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ} أي: تمادوا على تكذيبه ومخالفته، وما آمن معه منهم إلا قليل؛ كما نص عليه في موضع آخر، {فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ} أي: السفينة؛ كما قال: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} {وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَآ} كما قال:
{ مِّمَّا خَطِيۤئَـٰتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } [نوح: 25] وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} أي: عن الحق، لا يبصرونه، ولا يهتدون له، فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه، وأنجى رسوله والمؤمنين، وأهلك أعداءهم من الكافرين؛ كقوله: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [غافر: 51] الآية. وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة أن العاقبة فيها للمتقين، والظفر والغلب لهم؛ كما أهلك قوم نوح بالغرق، ونجى نوحاً وأصحابه المؤمنين. وقال مالك عن زيد بن أسلم: كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم، وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز. وقال ابن وهب: بلغني عن ابن عباس: أنه نجا مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً، أحدهم جرهم، وكان لسانه عربياً. رواه ابن أبي حاتم، وروي متصلاً من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما.