يقول تعالى: أو لا يرى هؤلاء المنافقون { أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ } أي: يختبرون { فِى كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: لا يتوبون من ذنوبهم السالفة، ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم، قال مجاهد: يختبرون بالسنة والجوع. وقال قتادة: بالغزو في السنة مرة أو مرتين، وقال شريك عن جابر، هو الجعفي، عن أبي الضحى عن حذيفة في قوله: { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضل بها فئام من الناس كثير، رواه ابن جريرـ وفي الحديث عن أنس:
"لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا يزداد الناس إلا شحاً، وما من عام إلا والذي بعده شر منه" سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم وقوله: { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون } هذا أيضاً إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم{ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي: تلفتوا { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } أي: تولوا عن الحق، وانصرفوا عنه، وهذا حالهم في الدين، لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه؛ كقوله تعالى: { { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } [المدثر:49-51] وقوله تعالى: { { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } [المعارج:36-37] أي: ما لهؤلاء القوم يتفللون عنك يميناً وشمالاً؛ هروباً من الحق، وذهاباً إلى الباطل. وقوله: { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } كقوله: { { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون } أي: لا يفهمون عن الله خطابه، ولا يقصدون لفهمه ولا يريدونه، بل هم في شغل عنه ونفور منه، فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه.