وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال الكفار من اليهود، والنصارى؛ لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة والفرية على الله تعالى، فأما اليهود فقالوا في العزير: إنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك: أن العمالقة لما غلبت على بني إسرائيل، فقتلوا علماءهم، وسبوا كبارهم، بقي العزير يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم حتى سقطت جفون عينيه، فبينما هو ذات يوم، إذ مر على جبانة، وإذا امرأة تبكي عند قبر، وهي تقول: وامطعماه واكاسياه فقال لها: ويحك من كان يطعمك قبل هذا؟ قالت: الله، قال: فإن الله حي لا يموت، قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فعرف أنه شيء قد وعظ به. ثم قيل له: اذهب إلى نهر كذا، فاغتسل منه، وصل هناك ركعتين، فإنك ستلقى هناك شيخاً، فما أطعمك فكله، فذهب ففعل ما أمر به، فإذا الشيخ، فقال له: افتح فمك، ففتح فمه فألقى فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة ثلاث مرات، فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة، فقال: يا بني إسرائيل قد جئتكم بالتوراة، فقالوا: يا عزير ما كنت كذاباً، فعمد فربط على أصبع من أصابعه قلماً، وكتب التوراة بأصبعه كلها، فلما تراجع الناس من عدوهم، ورجع العلماء، أخبروا بشأن عزير، فاستخرجوا النسخ التي كانوا أودعوها في الجبال، وقابلوها بها، فوجدوا ما جاء به صحيحاً، فقال بعض جهلتهم: إنما صنع هذا لأنه ابن الله.
وأما ضلال النصارى في المسيح فظاهر، ولهذا كذب الله سبحانه الطائفتين فقال: { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَٰهِهِمْ } أي: لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم { يُضَـٰهِئُونَ } أي: يشابهون { قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي: من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } قال ابن عباس: لعنهم الله { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي: كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر، ويعدلون إلى الباطل؟ وقوله: { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسرت أخته وجماعة من قومه، ثم منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته، وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عدي إلى المدينة، وكان رئيساً في قومه طيء، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة، وهو يقرأ هذه الآية: { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال:
"بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عدي ما تقول؟ أيضرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئاً أكبر من الله؟ ما يضرك؟ أيضرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم إلهاً غير الله؟" ثم دعاه إلى الإسلام، فأسلم وشهد شهادة الحق. قال: فلقد رأيت وجهه استبشر، ثم قال: "إن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون" وهكذا قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما في تفسير، { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، وقال السدي: استنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَٰحِداً } أي: الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء، والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.