التفاسير

< >
عرض

يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ
٣٩
-الرعد

جامع البيان في تفسير القرآن

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: يـمـحو الله ما يشاء من أمور عبـاده، فـيغيرّه، إلاَّ الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا بحر بن عيسى، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: يدبر الله أمر العبـاد فـيـمـحو ما يشاء، إلاَّ الشقاءَ والسعادة والـموت.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: كلّ شيء غير السعادة والشقاء، فإنهما قد فُرِغ منهما.

حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: ثنا يزيد، وحدثنا أحمد، قال ثنا أبو أحمد، عن سفـيان، عن ابن أبـي لـيـلـى عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس يقول: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: إلاَّ الشقاء والسعادة، والـموت والـحياة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين وقبـيصة قالا: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، مثله.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: قال ابن عبـاس: إلاَّ الـحياة والـموت، والشقاء والسعادة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: يقدر الله أمر السنة فـي لـيـلة القدر، إلاَّ الشقاء والسعادة والـموت والـحياة.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قال: إلاَّ الـحياة والـموت والسعادة والشقاوة فإنهما لا يتغيران.

حدثنا عمرو قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا معاذ بن عقبة، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، قال: قلت لـمـجاهد: إن كنتَ كتبتنـي سعيداً فأثبتنـي، وإن كنتَ كتبتنـي شقـيًّا فـامـحنـي قال: الشقاء والسعادة قد فُرغ منهما.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد قال: ثنا سعيد بن سلمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قال: ينزل الله كلّ شيء فـي السنة فـي لـيـلة القدر، فـيـمـحو ما يشاء من الآجال والأرزاق والـمقادير، إلاَّ الشقاء والسعادة، فإنهما ثابتان.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مـجاهداً فقلت أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهمّ إن كان اسمي فـي السعداء فأثبته فـيهم، وإن كان فـي الأشقـياء فـامـحُه واجعله فـي السعداء؟ فقال: حسن. ثم أتـيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن ذلك، فقال: { { إنَّا أنْزَلْناهُ فِـي لَـيْـلَةٍ مُبـارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِـيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيـمٍ } قال: يُقْضَى فـي لـيـلة القدر ما يكون فـي السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء ويؤخِّر ما يشاء. فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابت لا يغير.

وقال آخرون: معنى ذلك: أن الله يـمـحو ما يشاء ويُثبت من كتاب سوى أمّ الكتاب الذي لا يغير منه شيء. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، عن سلـيـمان التـيـمي، عن عكرمة، عن ابن عبـاس أنه قال فـي هذه الآية: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: كتابـان: كتاب يـمـحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا سلـيـمان التـيـمي، عن عكرمة، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: الكتاب كتابـان، كتاب يـمـحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب.

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن سلـيـمان التـيـميّ، عن عكرمة، عن ابن عبـاس بـمثله.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن عكرمة، قال: الكتاب كتابـان { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ }.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يـمـحو كلّ ما يشاء، ويثبت كلّ ما أراد. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثّام، عن الأعمش، عن شقـيق أنه كان يقول: اللهمّ إن كنت كتبتنا أشقـياء، فـامـحنا واكتبنا سعداء، وإن كنتَ كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.

حدثنا عمرو، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن أبـي وائل، قال: كان مـما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلـمات: اللهمّ إن كنت كتبتنا أشقـياء فـامـحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.

قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبـي، عن أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان النهديّ، أن عمر بن الـخطاب قال وهو يطوف بـالبـيت ويبكي: اللهمّ إن كنتَ كتبتَ علـيّ شِقوة أو ذنبـاً فـامـحه، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت. وعندك أمّ الكتاب، فـاجعله سعادة ومغفرة.

قال: ثنا معتـمر، عن أبـيه، عن أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان، قال: وأحسبنـي قد سمعته من أبـي عثمان، مثله.

قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عِصْمة أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان النهديّ، عن عمر رضي الله عنه، مثله.

حدثني الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا أبو حكيـمة، قال: سمعت أبـا عثمان النهدي، قال: سمعت عمر بن الـخطَّاب رضي الله عنه يقول وهو يطوف بـالكعبة: اللهمّ إن كنتَ كتبتنـي فـي أهل السعادة فأثبتنـي فـيها، وإن كنت كتبت علـيّ الذنب والشقوة فـامـحنـي وأثبتنـي فـي أهل السعادة، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب.

قال: ثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: ثنا حماد، عن خالد الـحذّاء، عن أبـي قِلابة، عن ابن مسعود، أنه كان يقول: اللهمّ إن كنت كتبتنـي فـي أهل الشقاء فـامـحنـي وأثبتنـي فـي أهل السعادة.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } يقول: وهو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله، ثم يعود لـمعصية الله فـيـموت علـى ضلاله، فهو الذي يـمـحو. والذي يثبت: الرجل يعمل بـمعصية الله، وقد كان سبق له خير حتـى يـموت، وهو فـي طاعة الله، فهو الذي يثبت.

حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن هلال بن حميد، عن عبد الله بن حكيـم، عن عبد الله، أنه كان يقول: اللهمّ إن كنتَ كتبتنـي فـي السعداء فأثبتنـي فـي السعداء، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُم الكِتابِ.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، عن أبـي حمزة، عن إبراهيـم، أن كعبـاً قال لعمر رضي الله عنه: يا أمير الـمؤمنـين، لولا آية فـي كتاب الله لأنبأتك ما هو كائن إلـى يوم القـيامة، قال: وما هي؟ قال: قول الله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُم الكِتابِ }.

حُدثت من الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { { لِكُلّ أجَلِ كِتاب } ... الآية، يقول: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } يقول: أنسخ ما شئتُ، وأصنع من الأفعال ما شئت، إن شئت زدت فـيها، وإن شئتُ نقصتُ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عفـان، قال: ثنا همام، قال: ثنا الكلبـي، قال: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قال: يـمـحو من الرزق ويزيد فـيه، ويـمـحي من الأجل ويزيد فـيه. قلت: من حدّثك؟ قال: أبو صالـح، عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم. فقدم الكلبـيّ بعد، فسئُل عن هذه الآية: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قال: يكتب القول كله، حتـى إذا كان يوم الـخميس طرح منه كلّ شيء لـيس فـيه ثواب ولا علـيه عقاب، مثل قولك: أكلت، شربت، دخـلت، خرجت، ونـحو ذلك من الكلام، وهو صادق، ويُثبت ما كان فـيه الثواب وعلـيه العقاب.

حدثنا الـحسن، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت الكلبـي، عن أبـي صالـح نـحوه، ولـم يجاوز أبـا صالـح. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل معنى ذلك: أن الله ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } قال: من القرآن. يقول: يبدّل الله ما يشاء فـينسخه، ويُثبت ما يشاء فلا يبدّله. { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } يقول: وجملة ذلك عنده فـي أمّ الكتاب: الناسخ والـمنسوخ، وما يُبدل، وما يثبت، كل ذلك فـي كتاب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ } هي مثل قوله: { { ما نَنْسَخْ منْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أوْ مِثْلِها } ، وقوله: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ }: أي جملة الكتاب وأصله.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ما يشاء }، وهو الـحكيـم. { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } وأصله.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } بـما ينزل علـى الأنبـياء، { وَيُثْبِتُ } ما يشاء مـما ينزل علـى الأنبـياء. قال: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } لا يغير ولا يبدّل.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } قال: ينسخ. قال: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: الذكر.

وقال آخرون: معنى ذلك أنه يـمـحو من قد حان أجله، ويثبت من لـم يجىءْ أجله إلـى أجله. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبِـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } يقول: يـمـحو من جاء أجله فذهب، والـمثبت الذي هو حيّ يجري إلـى أجله.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا عوف، قال: سمعت الـحسن: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } قال: من جاء أجله. { وَيُثْبتُ } قال: من لـم يجىء أجله إلـى أجله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الـحسن، نـحو حديث ابن بشَّار.

قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله: { { لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ } قال: آجال بنـي آدم فـي كتاب. { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ } من أجله { وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ }.

قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قول الله: { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قالت قريش حين أُنزل: { { وَما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأتِـيَ بآيَةٍ إلاَّ بإذْنِ اللّهِ } ما نراك يا مـحمد تـملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تـخويفـاً ووعيداً لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونـحدث فـي كلّ رمضان، فنـمـحو ونُثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم، وما نعطيهم، وما نقسم لهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عبـاده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، فـي قوله { يَـمْـحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ } قال: يثبت فـي البطن الشقاء والسعادة وكلّ شيء، فـيغفر منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

وأولـى الأقوال التـي ذكرت فـي ذلك بتأويـل الآية، وأشبهها بـالصواب، القول الذي ذكرناه عن الـحسن ومـجاهد وذلك أن الله تعالـى ذكره توعد الـمشركين الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات بـالعقوبة وتهدّدهم بها وقال لهم: { { وَما كانَ لرَسُولٍ أنْ يَأْتِـيَ بآيَةٍ إلاَّ بإذْنِ اللّهِ لكُلّ أجَلٍ كتابٌ } يعلـمهم بذلك أن لقضائه فـيهم أجلاً مثبتاً فـي كتاب هم مؤخرون إلـى وقت مـجيء ذلك الأجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل يجيء الله بـما شاء مـمن قد دنا أجله وانقطع رزقه أو حان هلاكه أو اتضاعه، من رفعة أو هلاك مال، فـيقضي ذلك فـي خـلقه، فذلك مـحوه. ويُثبت ما شاء مـمن بقـي أجله ورزقه وأُكْله، فـيتركه علـى ما هو علـيه فلا يـمـحوه. وبهذا الـمعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما:

حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: ثنا اللـيث بن سعد، عن زيادة بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبـيد، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللّهَ يَفْتَـحُ الذّكْرَ فِـي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقـينَ منَ اللَّـيْـلِ، فِـي السَّاعَةِ الأُولـى منْهُنَّ يَنْظُرُ فِـي الكتابِ الَّذِي لا يَنْظُرُ فـيهِ أحَدٌ غيرُهُ، فَـيَـمْـحُو ما يَشاءُ ويُثْبتُ" ثم ذكر ما فـي الساعتـين الآخرتـين.

حدثنا موسى بن سهل الرملـي، قال: ثنا آدم، قال: ثنا اللـيث، قال: ثنا زيادة بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبـيد، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللّهَ يَنْزِلُ فِـي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقـيْنَ منَ اللَّـيْـلِ، يَفْتَـحُ الذّكْرَ فِـي السَّاعَةِ الأُولـى الَّذِي لَـمْ يَرَهُ أحَدٌ غيرُهُ، يَـمْـحُو ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ما يَشاءُ" .

حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبـاس، قال: إن لله لوحاً مـحفوظاً مسيرة خمس مئة عام، من دُرّة بـيضاء لها دفتان من ياقوت، والدفتان لوحان لله، كل يوم ثلاث مئة وستون لـحظة، يـمـحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، قال: ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: ثنـي رجل، عن أبـيه، عن قـيس بن عبـاد، أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يـمـحو الله فـيه ما يشاء.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } فقال بعضهم: معناه: وعنده الـحلال والـحرام. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: ثنا مـحمد بن عقبة، قال: ثنا مالك بن دينار، قال: سألت الـحسن: قلت: { أُمُّ الكِتابِ }؟ قال: الـحلال والـحرام، قال: قلت: فما الـحمد لله رب العالـمين؟ قال: هذه أمّ القرآن.

وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: جملة الكتاب وأصله.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: كتاب عند ربّ العالـمين.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: جملة الكتاب وعلـمه يعنـي بذلك ما ينسخ منه وما يثبت.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } يقول: وجملة ذلك عنده فـي أمّ الكتاب: الناسخ والـمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت، كلّ ذلك فـي كتاب.

وقال آخرون فـي ذلك، ما:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا معتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن شيبـان، عن ابن عبـاس، أنه سأل كعبـاً عن أمّ الكتاب، قال: علـم الله ما هو خالق وما خـلقه عاملون، فقال لعلـمه: كن كتابـاً فكان كتابـاً.

وقال آخرون: هو الذِّكْرُ. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج قال أبو جعفر: لا أدري فـيه ابن جريج أم لا قال: قال ابن عبـاس: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } قال: الذكر.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته وذلك أنه تعالـى ذكره أخبر أنه يـمـحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك بقوله: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ } فكان بـيِّناً أن معناه: وعنده أصل الـمثبَت منه والـمـمـحو، وجملته فـي كتاب لديه.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { وَيُثْبِتُ } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة: «ويُثَبِّتُ» بتشديد البـاء بـمعنى: ويتركه ويقره علـى حاله، فلا يـمـحوه. وقرأه بعض الـمكيـين وبعض البصريـين وبعض الكوفـيـين: { ويُثْبِتُ } بـالتـخفـيف، بـمعنى: يكتب، وقد بـيَّنا قبل أن معنى ذلك عندنا: إقراره مكتوبـاً وترك مـحوه علـى ما قد بـيَّنا، فإذا كان ذلك كذلك فـالتثبـيت به أولـى، والتشديد أصوب من التـخفـيف، وإن كان التـخفـيف قد يحتـمل توجيهه فـي الـمعنى إلـى التشديد والتشديد إلـى التـخفـيف، لتقارب معنـيـيهما.

وأما الـمـحْو، فإن للعرب فـيه لغتـين: فأما مضر فإنها تقول: مـحوت الكتاب أمـحوه مـحواً، وبه التنزيـل، ومـحوته أمـحاه مـحواً. وذُكر عن بعض قبـائل ربـيعة: أنها تقول: مـحيت أَمْـحَى.