يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَبَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً } وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القـيامة من قبورهم فصاروا بـالبراز من الأرض جميعاً، يعنـي كلهم. { فَقالَ الضُّعَفـاءُ للَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } يقول: فقال التبـاع منهم للـمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون فـي الدنـيا عن إخلاص العبـادة لله واتبـاع الرسل الذين أرسلوا إلـيهم: { إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً } فـي الدنـيا، والتَّبَع: جمع تابع، كما الغَيَبُ جمع غائب. وإنـما عَنَوا بقولهم: إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعَاً أنهم كانوا أتبـاعهم فـي الدنـيا يأتـمرون لـما يأمرونهم به من عبـادة الأوثان والكفر بـالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتبـاع رسل الله { فَهَلْ أنْتُـمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ } يعنون: فهل أنتـم دافعون عنا الـيوم من عذاب الله من شيء. وكان ابن جريج يقول نـحو ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: { وَقالَ الضّعَفـاءُ } قال: الأتبـاع { للَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } قال: للقادة.
وقوله: { لَوْ هَدَانا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ } يقول عزّ ذكره: قالت القادة علـى الكفر بـالله لتبـاعها: { لَوْ هَدَانا اللّهُ } يعنون: لو بـين الله لنا شيئاً ندفع به عذابه عنا الـيوم، { لَهَدْينَاكُمْ } لبـيَّنا ذلك لكم حتـى تدفعوا العذاب عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا من العذاب فلـم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا علـيها. { سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ } يعنون: ما لهم من مزاغ يزوغون عنه، يقال منه: حاص عن كذا إذا زاغ عنه يحِيص حَيْصا وحُيُوصا وحَيَصانا.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـحكم، عن عمر بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرَظِيّ يقول: بلغنـي أو ذُكر لـي أن أهل النار قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد تَرْون، فهلـمّ فلنصبر، فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنـيا علـى طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا قال: فـيجمعون رأيهم علـى الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: { سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ } أي مَنْـجي.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ } قال: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالَوا، فإنـما أدرك أهل الـجنة الـجنَة ببكائهم وتضرّعهم إلـى الله، فتعالَوا نبكي ونتضِرّع إلـى الله قال: فبكَوا، فلـما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فما أدرك أهل الـجنة الـجنَة إلا بـالصبر، تعالَوا نصبر فصَبروا صبرا لـم يُر مثله، فلـم ينفعهم ذلك فعند ذلك قالوا { سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ }.