. وقوله: { وَالعامِلِينَ عَلَيْها } وهم السعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقيها يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء.
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري عن العاملين عليها، فقال: السعاة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَالعامِلِينَ عَلَيْها } قال: جباتها الذين يجمعونها، ويسعون فيها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { وَالعامِلِينَ عَلَيْها }: الذي يعمل عليها.
ثم اختلف أهل التأويل في قدر ما يُعْطَى العامل من ذلك، فقال بعضهم: يُعْطَى منه الثمن. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن جويبر، عن الضحاك، قال: للعاملين عليها الثمن من الصدقة.
حُدثت عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { وَالعامِلِينَ عَلَيْها } قال: يأكل العمال من السهم الثامن.
وقال آخرون: بل يعطى على قدر عمالته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الأخضر بن عجلان، قال: ثنا عطاء بن زهير العامريّ، عن أبيه، أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص، فسأله عن الصدقة: أيّ مال هي؟ فقال: مال العرجان والعوران والعميان وكلّ منقطع به. فقال له: إن للعاملين حقًّا والمجاهدين. قال: إن المجاهدين قوم أحلّ لهم وللعاملين عليها على قدر عمالتهم. ثم قال: لا تحلّ الصدقة لغنيّ، ولا لذي مِرَّة سويّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: يكون للعامل عليها إن عمل بالحقّ. ولم يكن عمررحمه الله تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثمن، إنما يفرضون له بقدر عمالته.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: { وَالعامِلِينَ عَلَيْها } قال: كان يعطى العاملون.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يعطى العامل عليها على قدر عمالته أجر مثله.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله جلّ ثناؤه لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثمانية على ثمانية أسهم وإنما عرَّف خلقه أنّ الصدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثمانية إلى غيرهم. وإذ كان كذلك بما سنوضح بعد وبما قد أوضحناه في موضع آخر، كان معلوماً أن من أُعطي منها حقا، فإنما يعطى على قدر اجتهاد المعطي فيه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله لا على الحاجة التي تزول بالعطية، كان معلوماً أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عوض من سعيه وعمله، وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضا من عمله الذي لا يزول بالعطية وإنما يزول بالعزل.
وأما المؤلَّفة قلوبهم، فإنهم قوم كانوا يُتألَّفون على الإسلام ممن لم تصحّ نصرته استصلاحاً به نفسه وعشيرته، كأبي سفيان بن حرب وعيينة بن بدر والأقرع بن حابس، ونظرائهم من رؤساء القبائل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ }، وهم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أسلموا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيراً قالوا: هذا دين صالح وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه.
حدثنا عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم من بني أمية: أبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم: الحرث بن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني جمح: صفوان بن أمية، ومن بني عامر بن لؤيّ: سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العُزَّى، ومن بني أسد بن عبد العُزَّى: حكيم بن حزام، ومن بني هاشم: سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدر، ومن بني تميم: الأقرع بن حابس، ومن بني نصر: مالك بن عوف، ومن بني سليم: العباس بن مرداس، ومن ثقيف: العلاء بن حارثة. أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم كلّ رجل منهم مئة ناقة، إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العُزَّى، فإنه أعطى كلّ رجل منهم خمسين.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: قال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحبّ الناس إليّ.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ناس كان يتألفهم بالعطية، عيينة بن بدر ومن كان معه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: { والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ }: الذين يؤلفون على الإسلام.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وأما المؤلَّفة قلوبهم، فأناس من الأعراب ومن غيرهم، كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهريّ عن قوله: { والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ } فقال: من أسلم من يهودي أو نصراني. قلت: وإن كان غنيا؟ قال: وإن كان غنياً.
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا معقل بن عبيد الله الحراني، عن الزهريّ: { والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ } قال: من هو يهودي أو نصراني.
ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها، وهل يعطى اليوم أحد على التألف على الإسلام من الصدقة؟ فقال بعضهم: قد بطلت المؤلَّفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها وفي سبيل الله أو لعامل عليها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: { والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ } قال: أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثناالقاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن يحي، عن حبان بن أبي جبلة، قال: قال عمر بن الخطاب رضي رضي الله عنه تعالى عنه: وأتاه عيينة بن حصن { الحق من ربكم فمن شاء فلؤمن ومن شاء فليكفر }، أي: ليس اليوم مؤلفة.
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مبارك، عن الحسن، قال: ليس اليوم مؤلفة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما وُلي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه انقطعت الرشا.
وقال آخرون: المؤلفة قلوبهم في كلّ زمان، وحقهم في الصدقات. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: في الناس اليوم المؤلفة قلوبهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، مثله.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين: أحدهما سدّ خلة المسلمين، والآخر معونة الإسلام وتقويته فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغنيّ والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطي الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطي ذلك غنياً كان أو فقيراً للغزو لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحاً بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وعزّ أهله، فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت.
وأما قوله: { وفِي الرّقابِ } فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم، وهم الجمهور الأعظم: هم المكاتبون، يعطون منها في فكّ رقابهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسين: أن مكاتباً قام إلى أبي موسى الأشعريرحمه الله تعالى وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال له: أيها الأمير حثّ الناس عليّ فحثّ عليه أبو موسى، فألقي الناس عليه عمامة وملاءة وخاتماً، حتى ألقوا سواداً كثيراً. فلما رأى أبو موسى ما ألقى عليه، قال: اجمعوه فجمع ثم أمر به فبيع، فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب ولم يردّه على الناس، وقال: إنما أعطيَ الناسُ في الرقاب.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري عن قوله: { وفِي الرّقابِ } قال: المكاتبون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وفِي الرّقابِ } قال: المكاتَبُ.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: { وَفِي الرّقابِ } قال: هم المكاتبون.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون، لإجماع الحجة على ذلك فإن الله جعل الزكاة حقاً واجباً على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا ولا عوض، والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها.
وأما الغارمون: فالذين استدانوا في غير معصية الله، ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عرض.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: الغارمون: من احترق بيته، أو يصيبه السيل فيذهب متاعه، ويدّان على عياله فهذا من الغارمين.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله: { وَالغارِمينَ } قال: من احترق بيته، وذهب السيل بماله، وادّان على عياله.
حدثنا أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمين: المستدين في غير سرف، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال.
قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألنا الزهري، عن الغارمين، قال: أصحاب الدين.
قال: ثنا معقل، عن عبد الكريم، قال: ثني خادم لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يعطى الغارمون. قال أحمد: أكثر ظني من الصدقات.
قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمون: المستدين في غير سرف.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أما الغارمون: فقوم غرّقتهم الديون، في غير إملاق ولا تبذير ولا فساد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الغارم: الذي يدخل عليه الغرم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: { والغارِمِينَ } قال: هو الذي يذهب السيل والحريق بماله، ويدّان على عياله.
قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: المستدين في غير فساد.
قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمون: الذين يستدينون في غير فساد، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير، فجعل الله لهم في هذه الآية سهماً.
وأما قوله: { وفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وفِي سَبِيلِ اللَّهِ } قال: الغازي في سبيل الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: