التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
٥٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
٥٧
-النساء

فتح القدير

قوله: { بِـئَايَـٰتِنَا } الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض، و { سَوْفَ } كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه. وينوب عنها السين. وقد تقدّم معنى نصلي في أوّل السورة. والمراد: ندخلهم ناراً عظيمة. وقرأ حميد بن قيس "نَصْلِيهِمْ" بفتح النون. قوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقال: نضج الشيء نضجاً ونضاجاً، ونضج اللحم، وفلان نضج الرأي، أي: محكمه. والمعنى: أنها كلما احترقت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها، أي: أعطاهم مكان كل جلد محترق جلداً آخر غير محترق، فإن ذلك أبلغ في العذاب للشخص؛ لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحتر. وقيل: المراد بالجلود: السرابيل التي ذكرها في قوله: { { سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ } [إبراهيم: 50] ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا، وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازاً، كما في قول الشاعر:

كسا اللوم تيما خضرة في جلودها فويل لتيم من سرابيلها الخضر

وقيل: المعنى: أعدنا الجلد الأوّل جديداً، ويأبى ذلك معنى التبديل. قوله: { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي: ليحصل لهم الذوق الكامل بذلك التبديل. وقيل: معناه: ليدوم لهم العذاب، ولا ينقطع، ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين. وقد تقدّم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.

قوله: { لَّهُمْ فِيهَا أَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي: من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا، والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحرّ، والسموم، ونحو ذلك، وقيل: هو مجموع ظلّ الأشجار، والقصور. وقيل: الظلّ الظليل: هو الدائم الذي لا يزول، واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة، كما يقال: ليل أليل.

وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر في قوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } قال: إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلوداً بيضاء أمثال القراطيس. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عنه بسند ضعيف قال: قرىء عند عمر: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } الآية، فقال معاذ: عندي تفسيرها تبدّل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه أن القائل كعب، وأنه قال: تبدّل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً. وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس في قوله: { ظِـلاًّ ظَلِيلاً } قال: هو ظل العرش الذي لا يزول.