التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً
٦٦
وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً
٦٧
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٦٨
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً
٦٩
ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً
٧٠
-النساء

فتح القدير

"لَوْ" حرف امتناع، و"أن" مصدرية، أو تفسيرية؛ لأن { كَتَبْنَا } في معنى أمرنا. والمعنى: أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم، أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم، والضمير في قوله: { فَعَلُوهُ } راجع إلى المكتوب الذي دلّ عليه كتبنا، أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين، وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدّمنا وجهه. قوله: { إِلاَّ قَلِيلٌ } قرأه الجمهور بالرفع على البدل. وقرأ عبد الله بن عامر، وعيسى بن عمر "إِلاَّ قَلِيلاً" بالنصب على الاستثناء، وكذا هو في مصاحف أهل الشام، والرفع أجود عند النحاة. قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم { لَكَانَ } ذلك { خَيْراً لَّهُمْ } في الدنيا والآخرة، { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } لأقدامهم على الحق، فلا يضطربون في أمر دينهم { وَإِذّن } أي: وقت فعلهم لما يوعظون به { لآتَيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } لا عوج فيه ليصلوا إلى الخير الذي يناله من امتثل ما أمر به، وانقاد لمن يدعوه إلى الحق.

قوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والاشارة بقوله: { فَأُوْلَـئِكَ } إلى المطيعين، كما تفيده من { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعدّ الله لهم. والصدّيق المبالغ في الصدق، كما تفيده الصيغة. وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء. والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة. والرفيق مأخوذ من الرفق، وهو: لين الجانب، والمراد به: المصاحب لارتفاقك بصحبته، ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض، وهو منتصب على التمييز، أو الحال، كما قال الأخفش.

وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } هم: يهود، كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضاً. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن سفيان أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السديّ نحوه. وقد روي من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا: لما نزلت الآية لو فعل ربنا لفعلنا. أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن. وأخرجه ابن أبي حاتم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير. وأخرجه أيضاً عن شريح بن عبيد. وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إليّ من نفسي، وإنك لأحب إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتي، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي، وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يردّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } الآية. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.