التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٩٤
يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٩٥
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٨
مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٩٩
-المائدة

فتح القدير

.

قوله: { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } أي ليختبرنكم، واللام جواب قسم محذوف، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفي الحرم، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت، وكان نزول الآية في عام الحديبية، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم، فكان إذا عرض صيدهم اختلفت فيه أحوالهم.

وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية، هل هم المحلون أو المحرمون؟ فذهب إلى الأوّل: مالك وإلى الثاني: ابن عباس، والراجح أن الخطاب للجميع، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض، و«من» في { مّنَ ٱلصَّيْدِ } للتبعيض وهو صيد البر، قاله ابن جرير الطبري وغيره؛ وقيل: إن «من» بيانية أي شيء حقير من الصيد، وتنكير { شيء } للتحقير. قوله: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ } قرأ ابن وثاب: "يناله" بالياء التحتية، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد، وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض، وبين ما تناله الرماح: وهو ما يطيق الفرار، وخصّ الأيدي بالذكر لأنها أكثر ما يتصرّف به الصائد في أخذ الصيد، وخص الرماح بالذكر؛ لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب. قوله: { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْب } أي: ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه.

قوله: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 1] نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام، وفي معناه { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم، لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم، وأحرم الرجل: دخل في الحرم. قوله: { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً } المتعمد: هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام، والمخطىء: هو الذي يقصد شيئاً فيصيب صيداً، والناسي: هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. وقد استدل ابن عباس، وأحمد في رواية، وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره، بل لا تجب إلا عليه وحده. وبه قال سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو ثور. وقيل: إنها تلزم الكفارة المخطىء والناسي كما تلزم المتعمد، وجعلوا قيد التعمد خارجاً مخرج الغالب، روي عن عمر، والحسن، والنخعي، والزهري، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وروي عن ابن عباس. وقيل: إنه يجب التكفير على العامد الناسي لإحرامه، وبه قال مجاهد، قال: فإن كان ذاكراً لإحرامه فقد حلّ، ولا حج له، لارتكابه محظور إحرامه، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها.

قوله: { فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } أي فعليه جزاء مماثل لما قتله، و{ من النعم } بيان للجزاء المماثل. قيل: المراد المماثلة في القيمة، وقيل: في الخلقة. وقد ذهب إلى الأوّل: أبو حنيفة، وذهب إلى الثاني: مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وهو الحق لأن البيان المماثل للنعم يفيد ذلك، وكذلك يفيده هدياً بالغ الكعبة. وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل، وأن المحرم مخير. وقرىء: "فَجَزَاؤُهُ مّثْلُ مَا قَتَلَ" وقرىء: "فَجَزَاء مّثْلُ" على إضافة جزاء إلى مثل، وقرىء بنصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل، وقرأ الحسن "ٱلنَّعَمِ" بسكون العين تخفيفاً. { يَحْكُمُ بِهِ } أي بالجزاء أو بمثل ما قتل { ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ } أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين، فإذا حكما بشيء لزم، وإن اختلفا رجع إلى غيرهما، ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين وقيل يجوز، وبالأوّل قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه: وظاهر الآية يقتضي حكمين غير الجاني.

قوله: { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } نصب هدياً على الحال، أو البدل من { مثل }، و{ بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } صفة لهدياً؛ لأن الإضافة غير حقيقية، والمعنى: أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك، والإشعار والتقليد، ولم يرد الكعبة بعينها، فإن الهدي لا يبلغها، وإنما أراد الحرم، ولا خلاف في هذا. قوله: { أَوْ كَفَّارَةٌ } معطوف على محل من النعم: وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف، و{ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ } عطف بيان لكفارة، أو بدل منه، أو خبر مبتدأ محذوف { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ } معطوف على طعام. وقيل هو معطوف على جزاء، وفيه ضعف، فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة، وعدل الشيء ما عادله من غير جنسه، و{ صِيَاماً } منصوب على التمييز، وقد قرّر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام، وقد ذهب إلى أن الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء. وروي عن ابن عباس أنه لا يجزىء المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدي. والعدل بفتح العين وكسرها لغتان، وهما الميل قاله الكسائي. وقال الفراء: عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه، وبفتح العين مثله من غير جنسه، وبمثل قول الكسائي قال البصريون.

قوله: { لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } عليه لإيجاب الجزاء: أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره، والذوق مستعار لإدراك المشقة، ومثله: { { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [الدخان: 49] والوبال: سوء العاقبة، والمرعى الوبيل: الذي يتأذى به بعد أكله، وطعام وبيل: إذا كان ثقيلاً. قوله: { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } يعني في جاهليتكم من قتلكم للصيد. وقيل عما سلف قبل نزول الكفارة { وَمَنْ عَادَ } إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } خبر مبتدأ محذوف؛ أي فهو ينتقم الله منه. وقيل المعنى: إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه. وقيل: ينتقم منه بالكفارة. قال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أوّل مرة، فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له: اذهب ينتقم الله منك: أي ذنبك أعظم من أن يكفر.

قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة، وصيد البحر ما يصاد فيه؛ والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحريّ وإن كان نهراً أو غديراً. قوله: { وَطَعَامُهُ مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } الطعام لكل ما يطعم، وقد تقدّم. وقد اختلف في المراد به هنا فقيل: هو ما قذف به البحر وطفا عليه، وبه قال كثير من الصحابة والتابعين؛ وقيل طعامه ما ملح منه وبقي، وبه قال جماعة، وروي عن ابن عباس؛ وقيل طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره، وبه قال قوم. وقيل المراد به ما يطعم من الصيد: أي ما يحل أكله وهو السمك فقط، وبه قالت الحنفية. والمعنى: أحلّ لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحلّ لكم المأكول منه وهو السمك، فيكون التخصيص بعد التعميم، وهو تكلف لا وجه له، ونصب { متاعاً } على أنه مصدر: أي متعتم به متاعاً، وقيل: مفعول له مختص بالطعام: أي أحلّ لكم طعام البحر متاعاً، وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير، بل إذا كان مفعولاً له كان من الجميع، أي أحلّ لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعاً لكم، أي لمن كان مقيماً منكم يأكله طرياً { وَلِلسَّيَّارَةِ } أي المسافرين منكم يتزوّدونه ويجعلونه قديداً، وقيل السيارة: هم الذين يركبونه خاصة.

قوله: { وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } أي حرّم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين، وظاهره تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالاً، وإليه ذهب الجمهور إن كان الحلال صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله، وهو القول الراجح، وبه يجمع بين الأحاديث؛ وقيل إنه يحلّ له مطلقاً، وإليه ذهب جماعة: وقيل يحرم عليه مطلقاً، وإليه ذهب آخرون، وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقى. قوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه. { الذي إليه تحشرون } لا إلى غيره، وفيه تشديد ومبالغة في التحذير. وقرىء: "وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرّ" بالبناء للفاعل وقرىء "مَا دُمْتُمْ" بكسر الدال.

قوله: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَاماً لّلنَّاسِ } جعل هنا بمعنى خلق، وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة، والتكعيب التربيع، وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة؛ وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها، وكل بارز كعب مستديراً كان أو غير مستدير، ومنه كعب القدم، وكعوب القنا، وكعب ثدي المرأة، و{ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } عطف بيان، وقيل: مفعول ثان ولا وجه له، وسمي بيتاً؛ لأن له سقوفاً وجدراً وهي حقيقة البيت، وإن لم يكن به ساكن، وسمي حراماً لتحريم الله سبحانه إياه. وقوله: { قِيَاماً لّلنَّاسِ } كذا قرأ الجمهور، وقرأ ابن عامر "قَيِّماً" وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين، وإن كان بمعنى خلق كما تقدّم، فهو منتصب على الحال، ومعنى كونه قياماً: أنه مدار لمعاشهم ودينهم: أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم: يأمن فيه خائفهم، وينصر فيه ضعيفهم، ويربح فيه تجارهم، ويتعبد فيه متعبدهم.

قوله: { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } عطف على الكعبة، وهو ذو الحجة، وخصه من بين الأشهر الحرم؛ لكونه زمان تأدية الحج، وقيل: هو اسم جنس. والمراد به: الأشهر الحرم، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرّم، ورجب، فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دماً، ولا يقاتلون بها عدواً، ولا يهتكون فيها حرمة، فكانت من هذه الحيثية قياماً للناس { وَٱلْهَدْىَ وَٱلْقَلَـٰئِدَ } أي وجعل الله الهدي والقلائد قياماً للناس. والمراد بالقلائد: ذوات القلائد من الهدي، ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها، والإشارة بذلك إلى الجعل أي ذلك الجعل { لِتَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض، ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم، ودفع لما يضرّكم { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } هذا تعميم بعد التخصيص، ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب، وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم، ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم، فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضرّوا إلا أنفسهم، وما جنوا إلا عليها، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه، وقام بما أمره الله به.

وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس في قوله: { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً } قال: إن قتله متعمداً أو ناسياً أو خطأ حكم عليه، فإن عاد متعمداً عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه، وفي قوله: { فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبياً أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل أيلاً ونحوه فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكيناً، فإن لم يجد صام عشرين يوماً، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً، فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً، والطعام مدّ يشبعهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم، عن الحكم، أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد. وأخرجا نحوه عن عطاء. وقد روي نحو هذا عن جماعات من السلف، من غير فرق بين العامد والخاطىء والناسي، وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد. وللسلف في تقدير الجزاء المماثل، وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها.

وأخرج أبو الشيخ، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في بيضة النعام: "صيام يوم أو إطعام مسكين" . وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن ذكوان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج أيضاً عن عائشة، عنه صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، من طريق أبي المهزّم عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "في بيض النعام ثمنه" . وقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم من حيوانات الحرم الخمس الفواسق، كما ورد ذلك في الأحاديث فإنه يجوز للمحرم أن يقتلها ولا شيء عليه.

وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَـٰعاً لَّكُمْ } "ما لفظه ميتاً فهو طعامه" . وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة موقوفاً مثله. وأخرج أبو الشيخ، عن أبي بكر الصدّيق نحوه. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة أن أبا بكر الصدّيق قال في قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } قال: صيد البحر ما تصطاده أيدينا، وطعامه مالاثه البحر، وفي لفظ «طعامه كل ما فيه». وفي لفظ «طعامه ميتته». ويؤيد هذا ما في الصحيحين من حديث العنبرة التي ألقاها البحر فأكل الصحابة منها، وقرّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وحديث هو: "الطهور ماؤه والحل ميتته" . وحديث: "أحلّ لكم ميتتان ودمان"

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَاماً لّلنَّاسِ } قال: قياماً لدينهم ومعالم حجهم. وأخرج ابن جرير، عنه قال: قيامها أن يأمن من توجه إليها. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن شهاب قال: جعل الله الكعبة البيت الحرام والشهر الحرام قياماً للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى، لا يخاف بعضهم من بعض حين يلقونهم عند البيت، أو في الحرم، أو في الشهر الحرام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَاماً لّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْىَ وَٱلْقَلَـٰئِدَ } قال: حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية، فكان الرجل لو جرّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام، لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل لو لقي الهدي مقلداً وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر، فحمته ومنعته من الناس، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الأذخر أو من السمر، فتمنعه من الناس حتى يأتي أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية. وأخرج أبو الشيخ، عن زيد بن أسلم { قِيَاماً لّلنَّاسِ } قال أمنا.