التفاسير

< >
عرض

شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١٨
إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٩
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٢٠
-آل عمران

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
شهد: أخبر عن علم بحضوره الأمر المشهود به.
لا إله إلا هو: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله تبارك وتعالى.
أولو العلم: أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم الأنبياء والعلماء.
القسط: العدل في الحكم والقول والعمل.
العزيز الحكيم: الغالب ذو العزة التي لا تغلب، الحكيم في كل خلقه وفعله وسائر تصرفاته.
الدين: ما يدان لله تعالى به أي يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات.
الإِسلام: الإِنقياد لله بالطاعة والخلوص من الشرك والمراد به هنا ملة الإِسلام.
بغياً: ظلما وحسداً.
حاجوك: جادلوك وخاصموك بحجج باطلة واهية.
أسلمت وجهي لله: أخلصت كل أعمالي القلبية والبدنية لله وحده لا شريك له.
ومن اتبعن: كذلك أخلصوا لله كل أعمالهم له وحده لا شريك له.
أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى.
الأميين: العرب المشركين سُمُّوا بالأميين لِقِلة مَنْ يقرأ ويكتب فيهم.
أأسلمتم: الهمزة الأولى للإستفهام والمراد به الأمر أي أسلموا خيراً لكم لظهور الحق وانبلاج نوره بينكم بواسطة كتب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن أسلموا: فإن أجابوك وأسلموا فقد اهتدوا إلى سبيل النجاة.
وإن تولوا: أدبروا عن الحق بعد رؤيته وأعرضوا عنه بعد معرفته فلا يضرك أمرهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلّغت.
معنى الآيات:
يخبر الجبار عز وجل أنه شهد أنه لا إله إلا هو وأن الملائكة وأولي العلم يشهدون كذلك شهادة علم وحق قامت على مبدأ الحضور الذاتي والفعلي وأنه تعالى قائم في الملكوت كله، علويّه وسفليّه، بالعدل، فلا رب غيره ولا إله سواه، العزيز في ملكه وخلقه الحكيم في تدبيره وتصريفه فلا يضع شيئاً في غير موضعه اللائق به. فرد بهذه الشهادة على باطل نصارى نجران، ومكر اليهود، وشرك العرب، وأبطل كلّ باطلهم سبحانه وتعالى، ثم أخبر أيضاً أن الدين الحق الذي لا يقبل تعالى ديناً سواه، هو الإسلام، القائم على مبدأ الإنقياد الكامل لله تعالى بالطاعة، والخلوص التامّ من سائر أنواع الشرك فقال: { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ } في حكمه وقضائه الإسلام، وما عداه فلا يقبله ولا يرضاه. ثم أخبر تعالى عن حال نصارى نجران، المجادلين لرسوله، في شأن تأليه عيسى بالباطل فقال { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } يريد أن خلاف أهل الكتاب لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ولكن كان عن علم حقيقي وإنما حملهم على الخلاف المسبب للفتن. والحروب وضياع الدين البغي والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها دون غيرها، وبذلك يفسد أمر الدين والدنيا، وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون بعد القرون المفضلة أيضاً، والتاريخ شاهد. ثم قال تعال { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي عليه ذنوب كفره وسيآت عصيانه ويحاسبه ويجزيه وإنه لسريع الحساب لأنه لا يشغله شيء عن آخر ولا يعييه إحصاء ولا عدد ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلا له فإن حاجوك يريد وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعياً إياهم إلى الإِسلام الذي عرفوه وأنكروه حفاظاً على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم: { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } أيضاً أسلم وجهه لله فليس فينا شيء لغير الله وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها لله فأسلموا أنتم يا أهل الكتاب ويا أميّون { فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } وإن تولوا وأعرضوا فلا يضرك إعراضهم، إذ ما كلفت إلا البلاغ وقد بلغت، أما الحساب والجزاء فهو إلى الله تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم وسوف يجزيهم بعلمه ويقضي بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً.
2- شهادة الله أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم.
3- بطلان كل دين بعد الإِسلام وكل ملة غير ملته لشهادة الله تعالى بذلك وقوله:
{ { ... وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } الآية [85] من هذه السورة والآتي تفسيرها إن شاء الله تعالى.
4- الخلاف بين أهل العلم والدين يتم عندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسي والمناصب، ويرغبون في الشرف يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً.
5- من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام.
6- من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه.