التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ
٢١٤
-البقرة

تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور

250- عبد الرزاق، قال: حدّثنا معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: { وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ }: [الآية: 214]، قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهُ يومئذ بلاءٌ وحَصْرٌ، فكانوا كما قال الله عزّ وجلّ: { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } [الأحزاب: 10].
251- عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال: لما كان يومٌ الأحزاب، حُصِرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بضع عشْرَةَ لَيْلَة حتى خلص إلى كُلِّ امرىءٍ منهم الكرب، وحتَّى قالَ النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المسيّب:
"اللَّهُمْ أنشدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ. اللّهم إنك إنْ تشأ لا تعبد فَبَيْنا هم على ذَلِكَ، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عُيَيْنة بن حِصْن بن بدر: أرأيت إن جَعَلْتُ لَك ثُلُث ثمرِ الأنصار أترجعُ بمَنْ مَعَكَ من غطفان؟ وتخذلُ بين الأحزاب؟ فأرسل إلَيْهِ عُيَيْنَة: إنْ جَعَلْتَ لي الشَّطْر فَعَلْت، فأرسلَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، فقال: إني أرْسلْتُ إلى عُيَيْنة، فعرضت عليه أنْ أجْعَل لهُ ثلاث ثمركم، ويرجع بمن معه من غطفان ويخذل بين الأحزاب، فأبى إلاَّ الشَّطْر. فقالا: يا رسول الله! إنْ كنت أمرت بشيء فامضِ لأمرِ اللهِ. قالَ: لو كنت أُمِرْتُ بشيءٍ ما اسْتأمَرْتُكُما، ولكن هذا رأي أعْرضه عَلَيْكُما قالاَ: فإنا لا نَرى أن نعطيهم إلاّ السيف" .
قالَ ابن أبي نجيح، قالا: فوالله يا رسول الله، لقد كانَ يمرُّ في الجاهليَّةَ يَجُرُّ [سربه] في عام السَّنة حوْل المدينة ما يطيقُ أنْ يدْخُلَها، فالآن لما جاء الله بالإِسلام نُعْطِيهم ذلك؟
252- عبد الرزاق، قال معمر، قال الزّهري، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"فنعمَ إذن. فبينا هم كذلِكَ إذ جاءهم نُعَيْم بن مسعُود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان جميعاً، وكانَ مُوادعاً لَهُمَا، فقال: إني كنت عِندَ عُيَيْنة وأبي سفيان، إذْ جاءتهم رُسُلُ بني قريظة أن أثبتوا فإنَّا سنخالف المسلمين إلى بَيْضتِهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فَلَعَلَّنا أمرناهم بذلِكَ وَكَانَ نُعَيْمٌ رجُلاً لا يَمكْتُم الحديث، فقام بكلمة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر، فقال: يا رسول الله، إنْ كانَ هَذاَ أمرٌ من أمر الله فأمضِهِ، وإن كان رأياً مِنْك، فإن شأنَ بَني قرييظة وقريش أهون من أن كيون لأحد عليك فيه مقال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليَّ الرجل رُدُّوهُ فَردُّوهُ، فقال: انظر الذي ذكرناه لك، فلا تذكره لأحد فكأنما أغراهُ به. فانطلق حتَّى أتى عُيَيْنة وأبا سُفْيان، فقال: هَلْ سمعتم محمَّداً يقُولُ قَوْلاً إلاَّ كان حقّاً، قالوا: لا، قال: فإني لما ذكرت له شأن بني قريظة، ق ال: فَلَعلَّنا أمرناهم بذلِكَ، فقال أبو سفيان: سنعلم ذلك إن كان مكراً، فأرسل إلى بني قُرَيْظة إنكم قد أمرتمونا أن نثبت، وإنكم ستخالفون المسلمين إلى بَيْضتِهم، فأعْطُونا بذلِكَ رهينة، قالوا: إنها قد دخلت ليلة السَّبت، وإنا لا نقضي في السبت شيئاً. قال أبو سفيان: أنتم في مكْرٍ من بني قريظة، فارتحلوا فأرسل الله إليهم الريح، وقذف في قلوبهم الرُّعْبَ، فأطفأت نيرانَهُم، وقَطَّعت أرسان خيولهم، فانطلقوا منهزِمين مِنْ غير قتال" . قال: فذلك حين قال الله تعالى: { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } : [الأحزاب: 25]، قال: "فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طَلَبهِم فطلبوهم حتَّى بلغُوا حمراء الأسدِ ثم رجَعُوا، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم عنه لأمته واغتَسَلَ واستجمعر. فنَادَاهُ جبريل: عُذيرك من محارب ألا أراك قد وضعتَ الَّلأْمة، ولم تضَعها الملائكة بعد. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزِعاً، فقال لأصحابِهِ: عزمت عليكم لا تُصلّوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قُرَيْظة فغربت الشمس قبل أن يأتوهُم، فقالت طائفة مِنَ المسلمين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تدعونا الصَّلاةَ فصلُّوا. وقالتْ طائفة: والله، إنا لَفي عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم، ومَا علينا بأس، فصَلَّت طائفة إيماناً واحتساباً. وتركت طائفة إيماناً واحتساباً، فلم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً مِنَ الفَرِيقيْن.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بمجالس بينه وبين بني قُرَيْظة، فقال: هل مرَّ بِكُمْ مِنْ أحَدٍ فقالوا: مرَّ علينا دحْيَة الكَلْبي عَلَى بَغْلَةٍ شهْباء تحته قطيفة ديباج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس ذلِك بدحْية، ولكنّه جبريل أُرْسل إلى بني قُرَيْظة لِيُزَلْزلهم، ويقذف في قلوبهم الرعب قال: فَحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يُسْمِعَهُم كلامه. فَفَعَلُوا، فَناداهم: يا إخوة القدرة والخنازير قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فاحشاً، قال: فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا حلفاؤه، فحكم فيهم أن يُقْتَلَ مُقاتَلَتُهم وتُسْبى ذَرَارِيهِمْ ونِسَاؤُهُمْ. وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصاب الحُكْمَ، وكانَ حُيَيّ بن أخطب استجاش المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إلى بني قُريظة فاستفتح عليهم ليْلاً، فقال سيدهم: إن هذا رجل مشؤوم فلا يشأمنكم، فناداهم حُيَيٌّ: يا بني قُرَيْظَة، ألا تستحيوني، ألا تحلقوني، ألا تضيفوني، فإني جائع مقرور.
فقالتب بنو قُرَيْظَة: والله لنفتحنَّ لهُ، فلم يزالوا حتى فتحوا لهُ، فلمَّا دخَلَ معَهم أطمهم، قال: با بني قريظة جئتكم في عز الدهر، جئتكم في عَارِض بَرْدٍ لا يقوم لِسَبيلِه شيء، فقال لهم سيدههم: أتعدنا عارضاً برداً تنكشِفُ عنَّا وتدعْنا عِنْد بحر دائم لا يُفارقُنا، إنَّما تعدنا الغرور، قال: فواثقهم وعَاهَدهم، لئن انفضَّت جموع الأحزاب أن يجيء حتَّى يدْخُل معهم أطمهُم، فأطاعوه حينئذٍ في الغدرِ بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين، حتَّى دخَل معهُم أطمهم، فلمَّا قتلت بنو قريظة، أُتِيَ بهِ [مكْتوفاً] إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال حُيَيٌّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أما والله، ما لُمْتُ نفْسي، في عَداوَتِك، ولكنَّهُ من يخذل الله يُخذل، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربت عُنَقُه"
.