التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥٨
-البقرة

تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور

326- عبد الرزاق، قال: حدّثنا معمر، عن الكلبي، وقتادة، في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ }: [الآية: 258]، قالا: هُوَ جبار اسمه نمروذ، وهُوَ أوَّلُ مَنْ تَجَبَّر في الأرْضِ فَحَاجَّ إبراهيم في ربِّه أن أتاه الله الملك، أن أتى اللهُ الجبار الملك، إذْ قال إبراهيم: { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }: [الآية: 258]، فقال ذلك الجبار: و{ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ }: [الآية: 258]، يقول: أنا أقتل مَنْ شِئْت وأحْيي من شِئْت.
327- عبد الرزاق، قال: حدثنا بكار بن عبد الله، قال: سمعت وهب بن منبه يحدّث، قال: لما خرج، أو قال: برز طالوت لجالوت، قال جالوت: أبرزوا إليّ من يقاتلني، فإن قتلني فلكم مُلكي، وإن قتلته فلي مُلككم! فأُتيَ بداود إلى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته، ويحكِّمه في ملكه. قال: فألبسه طالوت سلاحه، فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن الله لم ينصرني عليه، لم يغن السلاح شيئاً! فخرج إليه بالمِقلاع، ومخلاة فيها أحجار، ثم بَرَزَ إليه فقال جالوت: أنت تقاتلني!! قال داود: نعم! قال: ويلك! ما خرجت إليَّ إلا كما يَخْرج الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبدِّدن لحمه ولأطمعنّه اليوم السباع والطَّيْر! فقال له داود: بل أنت عدوّ الله شرٌّ من الكلب، فأخذ داود حجراً فرماه بالمقلاع، فأصاب بين عينيه حتى نفذ دماغه، فَصُرع جَالُوت وانْهَزَمَ من معه، واحتزَّ داود رأسه، فلما رجعوا إلى طالوت، ادَّعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتي بالسيف، وبالشيء من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه. فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله! فجاء به داود، ثم قال لطالوت: أعطني ما وعدتني! فندم طالوت على ما شرط له، وقال: إنّ بنات الملوك لا بد لهن من صداق، وأنت رجل جريءٌ شجاعٌ، فاجعل لها صداق ثلاثمائة غُلْفة من أعدائنا. وكان يرجو بذلك أن يُقتل داود. فَأَسَرَ ثلاثمائة وقطع غُلَفهم وجاء بها، فلم يجد طالوت بُدّاً من أن يزوجه فزوّجه. ثم أدركته الندامة، فأراد قتلَ داود فهرب منه إلى الجبل، فنهض إليه طالوت فحاصره. فلما كان ذات ليلة سُلِّط النوم على طالوتَ وحرسِه، فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب به ويتوضأ وقطع شعرات من لحيته وشيئاً من هُدْب ثيابه، ثم رجع داود إلى مكانه فناداه: أنْ تعاهد حرسك، فإني لو شئت أن أقتلك البارحة فعلت بآية أن هذا إبريقك، وشيءٌ من شعر لحيتك وهُدْب ثيابك! وبعث به إليه، فعلم طالوت أنه لو شاء قتله، فعطفه ذلك عليه فأمنَّه، وعاهده الله أن لايرى منه بأساً، ثم انصرف. ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدُسُّ لقتله. وكان طالوت لا يقاتل عدوّاً إلاّ هُزم، حتى مات، قال بكار: وسئل وهب وأنا أسمع: أنبيّاً كان طالوتُ يُوحَى إليه؟ فقال: لا، لم يأته وحيٌ، ولكن كان معه نبيٌّ يوحى إليه، يقال له: أشمويل، وهو الذي مَلَّك طالوت.
[حديث نمروذ]
328- عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن زيد بن أسلم، أن أول جبار كان في الأرض نمروذ، قال: وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، قال: فإذا مرّ به الناسُ قال: من ربكم؟ قالوا: أنتّ! حتى مرَّ به إبراهيم، قال: من ربك؟ قال: الذي يُحيي ويُميت؟ قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر. قال: فردَّه بغير طعام، قال: فرجع إبراهيم إلى أهله، فمرّ على كثيب رمل أعفر، فقال: ألا آخذ من هذا، فآتي به أهلي، فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم! فأخذ منه فأتى أهله. قال: فوضع متاعه ثم نام، قال: فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته، فإذا هي بأجود طعام رأه أحد، فصنعت له منه فقرَّبته إليه، وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت: من الطعام الذي جئت به! فعرف أن الله رزقه، فحمد الله، ثم بعثَ الله تعالى إلى الجبار ملَكاً: أ نْ آمن بي وأتركك على ملكك! قال: فهل ربٌّ غيري؟ قا ل: فجاءه الثانية فقا له ذلك، فأبى عليه، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: فاجْمع جموعك إلى ثلاثة أيام! قال: فجمع الجبار جموعه، قال: فأمر الله المَلَك ففتح علي باباً من البعوض، قال: فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، قال: فبعثها الله تعالى عليهم فأ:لت لحومهم وشربت دماءهم، فلم تُبْقِ إلاّ العظام، والملِك كما هو لم يصبه من ذلك شيء، قال: فبعث الله عليه بعوضة فدخلت من مَنْخره، فمكث أربعمائة سنة يُضرب رأسه بالمطارق، وأرحمُ الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه. وكان جبَّاراً أربعمائة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كمُلكه ثم أماته الله، وهو الذي بنى صرحاً إلى السماء، فأتى الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله تبارك وتعالى:
{ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } : [سورة النحل: 26].