التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
-الأنفال

تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور

987- حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، قال قال ابن عباس: كان عمر إذا سُئلَ عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك.
قال: ثم يقول ابن عباس: واللهِ، ما بَعَثَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا زاجراً آمراً مُحِلاًّ مُحرِّماً، قال: فسلط على ابن عباس رجل من أَهْلِ العراق فسأله عن الأنفال؟ فقال ابن عباس: كان الرجل يُنَفَّلُ فرس الرجل وسلبه، فأعاد عليه. فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه. فقال ابن عباس: أتدرون مَا مَثَلُ هَذَا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر، قال: وكان عمر ضربه حتَّى سالت الدماء عَلى عقبيه، أو قال: عَلَى رجليه فقال: أمَّا والله فقد انتقم لعمر منك.
988- حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن محمد بن السَّائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما كان يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من قَتَلَ قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أَسر أسيراً فله كذا وكذا، وكانوا قتلوا سبعين، وأَسَرُوا سَبْعِينَ. فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيريَنْ، فقال: يا رسول الله! إنَّك وعدتنا من قتل قتيلاً فله كذا، ومن أسرا أسيراً فله كذا، وقد جئت بأسيرين، فقام سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله! إن لم تمنعنا زَهَادة في الآخرة، وَلاَ جُبْن على العدُوِّ، ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يَقْتطِعك المشركونَ، وإنك إن تُعْط هؤلاءِ لا يبقى لأصحابك شيءً، قال: فجعل هؤلاء يقولون وهؤلاء يقولُون. فنزلت: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } [الآية: 1]، قال: فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ثم نزلت: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ... }: [الآية: 41]" .
989- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي قال: لما كان يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جاء برأسٍ فله كذا وكذا، وم جاء بأَسيرٍ له كذا وكذا. فلما هُزِمَ المشركون، تبعهم ناس مِنَ المسلمين وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم ناس. فقال الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، والله ما منعنا أن نصنع كما صَنَعَ هؤلاء أن نتبعهم ضعف بنَا ولا تَقصير ولكن كرهنا أن يغر بك وندعك وحدك. قال: في ذلك، فأنز لالله تبارك وتعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ }" ، ثم أخبر الله بمواضعها. فقال: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ... } [الآية: 41]، { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } : [الآية: 7]، قال معمر، وقال قتادة: هي المغانم.
990- حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني أيوب، عن عكرمة
"أن أبا سفيان أقبل من الشام في عير قريش وخرج المشركون مُغْوِثين لعيرهم، وَخَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم يريد أبا سفيان وأصحابه، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه عَيْناً طليعةً ينظران: بأي ماءٍ هو؟ فانطلقا حتى إذا عما علمه وأخبرا خبره جاءا مسرعَيْن، فأخبرا النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أبو سفيان فنزل على الماء الذي كان به الرجلان. فقال لأهل الماء: هل أحسستم أحداً من أهْل يثرب؟ قالوا: لا. قا ل: فهل مَرَّ بِكُم؟ قالوا: ما رأينا إلا رجلين من أهل كذا وكذا. قال أبو سفيان فأين كان مناخهما؟ فدلوه عليه، فانطلق حتى أتى بعر إبلهما ففتَّه، فإذا فيه نَوَى، فَقَال: أَنَّى لبني فلان النوى! هذه نواضح أهْلِ يثرب، فترك الطريق وأخذ سيف البحر وجاء الرجلان فأخبرا النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال: أيكم أخذ هذه الطريق؟ فقال أبو بكر: هم بماء كذا وكذا، ونحن بماء كذا وكذا، فيرتحل فينزل ماء كذا وكذا، وننزل نحن ماء كذا وكذا، ثم ينزل ماء كذا وكذا، وننزل ماء كذا وكذا، ثم نلتقي بماء كذا وكذا، كَأَنّا فرسا رِهان، فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل بدراً، فوجد على ماء بدرٍ بعض رقيق قريش ممن خرج يغيث أبا سفيان فأخذهم أصحابه، فجعلوا يسائلونهم، فإذا صدقوهم ضربوهم، وإذا كذبوهم تركوهم فمرَّ بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يفعلون ذلك، فَقَالَ: إن صدقكم ضربتموه، وإن كذبكم تركتموه. ثم دَعَا واحداً منهم، فقال: من يطعم القوم؟ فقال: فلان وفلان، فعدَّد رجالاً يطعمهم كل رجل يوماً، قال فكم يُنْحر لهم؟ فقال عشرة من الجزر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الجزور بمئة، وهم ما بين الألف والتسعمائة، فملا جاء المشركون صافوهم، وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد استشار قبل ذلك في قتالهم، فقام أبو بكر يشير عليه فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استشارهم فقام عمر يشير عليه، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم ثم استشارَهم فقام سعد بن عبادة، فقال: يا نبي الله! والله لكأَنَّكَ تعرض بنا منذ اليوم لتعلم ما في نفوسنا، والذي نفسي بيده لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد من ذي يمن، لكنا معك، فوطن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتال والصبر وسُرَّ بذلك منهم.
فلمَّا التقوا سار في قريش: عتبة بن ربيعة، فقال: أيْ قوم أطيعوني اليوم وَلاَ تقاتلوا محمّداً وأصحابه، فإنكم إن قاتلتموه لم تزل إحنة ما بقيتم وفساد لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه وقاتل ابن عمه، فإن يك ملكاً أكلتم في ملك أخيكم، وإن يك نَبيّاً فأنتم أسعد الناس به، وإن يك كاذباً كَفَتْكموه ذؤبان العرب. فأبوا أن يَسْمَعُوا مقالته. وأبوا أن يطعيوه، فقال: أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح أن تجعلوها أنداداً لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات، فقال أبو جَهْلٍ: لقد ملأت سحرك رعباً، ثم سَارَ في قريش فقال: إن عتبة بن ربيعة إنما يشير عليكم بهذا، لأنَّ ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه، فهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه. فغضب عتبة بن ربيعة، وقال: أيْ مصفِّرَ استه، ستعلم أينا أجبن وألأم وأفشل لقومه اليوم. ثم نزل ونزل معه أخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة. فقال: أبرزوا إلينا أكفاءَنَا، فقام ناس من الأنصار من بني الخرزج فأجسلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليّ وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. فاختلف كل رجل منهم وقرينه ضربتين فقتل كل رجل منهم صاحبه وأعان حمزه علياً على قتل صاحبه، فقتله، وقطعت رجل عُبيدة، فمات بعد ذلك. وكان أول قتيل يومئذٍ من المسلمين، مهجع مولى عمر بن الخطاب. ثم أنزل الله تعالى نَصْرَهُ، وهزم عدوه، وقُتِلَ أبو جهل بن هشام، فأخبر بقتله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفعلتم؟ فقالوا نعم يا نبيّ الله، فَسُرَّ بذلكَ، وقال: إنَّ عَهْدي به، وفي ركبتيه جور، فاذهبوا فانظروا هَلْ ترون ذلك؟ فنظروا فرأوه، وأُسِرَ يومئذٍ ناس من قريش. ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتلى فجروا حتى ألقوا في القليب، ثم أشرف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالأ: أيْ عتبة بن ربيعة، أيْ أمية بن خلف، فجعل يسميهم رجُلاً رجلاً هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقالوا: يا نبي الله أَوَ يَسْمَعونَ ما تقول"
؟ 991- قال عبد الرزاق، قال معمر، وقال قتادة: قال عمر بن الخطاب: "كيف يسمع يا نبي الله قوم أموات؟ قال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأعلم بما أقول منهم، أي أنهم قد رأوْا أعمالهم" .
992- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث يومئذٍ زيد بن حارثة بشيراً يبشّر أهل المدينة. فجَعَلَ ناس لا يصدقونه ويقولُونَ: والله ما رجع هذا إلاَّ فاراً. وجعل يُخْبرهُمْ بالأسارى ويخبرُهم بمن قتل فلم يصدقوه حتى جِيءَ بالأسارى مقرنين في قيد، ثم فاداهم النبي صلى الله عليه وسلم.
993- عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وعن عثمان الجزري، عن مقسم قالا: فادى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى بدر وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف، وقتل عقبة بن أبي معيط قبل الفداء، قام إليه علِيٌّ فقتله فقال: يا محمد فمَنْ للصِّبْيَةِ؟ قال: النار.