التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠٩
-يوسف

محاسن التأويل

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى } أي: لا ملائكة من أهل السماء، رد لقول المشركين: { { لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلائِكَة } [فصلت: 14]، وهذا كقوله تعالى: { { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } [الفرقان: 20] [في المطبوع وقع خطأ في الآية]، وقوله: { { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } [الأنبياء: 8]. وقوله: { { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل } [الأحقاف: 9] الآية.
واحتج بقوله تعالى: { إِلاَّ رِجَالاً } على أنه لم ينتظم في سلك النبوة امرأة.
والقرى: جمع قرية، وهي على ما في " القاموس ": المصر الجامع، وفي " كفاية المتحفظ ": القرية: كل مكان اتصلت به الأبنية، واتخذ قراراً. وتقع على المدن وغيرهما. انتهى.
قال ابن كثير: والمراد بالقرى هنا المدن. أي: لا أنهم من أهل البوادي الذين هم أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً. وهذا هو المعهود المعروف: أن أهل المدن أرق طباعاً، وألطف من أهل بواديهم. وأهل الريف والسواد أقرب حالاً من الذين يسكنون في البوادي. ولهذا قال تعالى:
{ { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } الآية [التوبة: 97].
قال قتادة: إنما كانوا من أهل القرى؛ لأنهم أعلم وأحلم من أهل العُمور.
وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } أي: هؤلاء المكذبون { فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } أي: نظر تفكر { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: من الأمم المكذبة، كقوله تعالى:
{ { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } الآية [الحج: من الآية 46]، فإذا استمعوا خبر ذلك؛ رأوا أن الله أهلك الكافرين، ونجى المؤمنين. وهذه كانت سنته تعالى في خلقه، ولهذا قال تعالى: { وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ } أي: الشرك والفواحش، وآمنوا بالله ورسله وكتبه.
قال ابن كثير: أي: وكما نجينا المؤمنين في الدنيا، كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة، وهي خير لهم من الدنيا، كقوله تعالى:
{ { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر: 51].
{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي: تستعملون عقولكم، فتعلموا أن الآخرة خير، أو تعلموا كيف عاقبة أولئك.
ثم بيَّن تعالى أن العاقبة لرسله، وأن نصره يأتيهم إذا تمادى تكذيبهم، تثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه:
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا ... }.