التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
-يوسف

محاسن التأويل

{ قَالَ يَا بُنَيَّ } صغره لصغر سنه، وللشفقة عليه، ولعذوبة المصغر { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } أي: فيفعلوا لأجلك أو لإهلاكك تحيلاً عظيماً متلفاً لك { إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي: ظاهر العداوة، فلا يألو جهداً في إغواء إخوتك وحملهم على ما لا خير فيه.
قال القاشاني: هذا النهي من الإلهامات المجملة، فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية في الروح، ويصل أثره إلى القلب، ولا يتشخص في النفس مفصلاً، حتى يقع العلم به كما هو، فيقع في النفس منه خوف واحتراز إن كان مكروهاً، وفرح وسرور إن كان مرغوباً. ويسمى هذا النوع من الإلهام: إنذارات وبشارات، فخاف عليه السلام، من وقوع ما وقع قبل وقوعه، فنهاه عن إخبارهم برؤياه احترازاً. ويجوز أن يكون احترازه كان من جهة دلالة الرؤيا على شرفه وكرامته، وزيادة قدره على إخوته، فخاف من حسدهم عليه عند شعورهم بذلك. انتهى.
تنبيه
قال السيوطي في " الإكليل ": قال الكيا: هذا يدل على جواز ترك إظهار النعمة لمن يخشى منه حسد ومكروه.
وقال ابن العربي: فيه حكم بالعادة أن الإخوة والقرابة يحسدون. قال: وفيه أن يعقوب عرف تأويل الرؤيا ولم يبال بذلك، فإن الرجل يود أن يكون ولده خيراً منه، والأخ لا يود ذلك لأخيه.
وقال بعض المفسرين اليمانيين: قال الحاكم: هذا يدل على أنه يجب في بعض الأوقات إخفاء فضيلة، تحرزاً من الحسود. وهذا داخل في قولنا: إن الحسن إذا كان سبباً للقبيح قبح. ومنه آية الأنعام:
{ { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108]. وفي هذا ما ذكر عن زين العابدين:

إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتننا

الأبيات المعروفة، ذكرها عن زين العابدين، والغزالي في " منهاج العابدين " والديلمي في كتاب " التصفية " وهذا يعقوب صلوات الله عليه أمر يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته، والمعنى واحد، فلا معنى لإنكار من ينكر ويزعم أن العلم لا يحل كتمه. انتهى.
ومقصوده: أن خوف الأشرار من الصوراف عن الصدع بالحق.
قال السيد ابن المرتضى اليماني في " إيثار الحق ": مما زاد الحق غموضاً وخفاء خوف العارفين، مع قلتهم، من علماء السوء، وسلاطين الجور، وشياطين الخلق، مع جواز التقية عند ذلك، بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام. وما زال الخوف مانعاً من إظهار الحق، وما برح المحق عدواً لأكثر الخلق.
وذكررحمه الله قبل في الاستدلال على التقية؛ أنه تعالى أثنى على مؤمن آل فرعون، مع كتم إيمانه، وسميت به سورة ( المؤمن ). وصح أمر عمار به، وتقريره عليه، ونزلت فيه:
{ { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ } [النحل: 106]، وقد صح عن أبي هريرة أنه قال في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته لكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. قال الغزالي في خطبة " المقصد الأسنى ": من خالط الخلق جدير بأنه يتحامى. لكن من أبصر الحق عسير عليه أن يتعامى. انتهى.