التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
-يوسف

محاسن التأويل

{ وَقَالَ } أي: أبوهم: { يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } أي: لئلا يستلفت دخولهم من باب واحد أنظار من يقف عليه من الجند، ومن يعسّ للحاكم، فيريب بهم؛ لأن دخول قوم على شكل واحد، وزيّ متحد، على بلدهم غرباء عنه، مما يلفت نظر كل راصد. وكانت المدن وقتئذ مبوبة لا ينفذ إليها إلا من أبوابها، وعلى كل باب حرسه، وليس دخول الفرد كدخول الجمع في التنبه، وإتباع البصر. وقيل: نهاهم لئلا تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة - وسيأتي بيانه -.
{ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ } أي: لا أدفع عنكم بتدبيري شيئاً مما قضي عليكم، فإن الحذر لا يمنع القدر.
قال أبو السعود: ولم يرد به عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة، كيف لا وقد قال عز قائلاً:
{ { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة } [البقرة: 195]، وقال: { { خُذُوا حِذْرَكُمْ } [النساء: 71 و 102]. بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة، بل هو تدبير في الجملة. وإنما التأثير وترتيب المنفعة عليه من العزيز القدير، وإن ذلك ليس بمدافعة للقدر، بل هو استعانة بالله تعالى، وهرب منه إليه: { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } أي: لا يشاركه أحد، ولا يمانعه شيء: { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }.