التفاسير

< >
عرض

مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٠٦
-البقرة

محاسن التأويل

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } أي: ما نبدّل من آية بغيرها، كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن: { أو ننسها } أي: نذهبها من القلوب كما أخبر بقوله: { { وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } [ المائدة: 13 ] وقرئ: { أَوْ نَنْسَأْهَا } أي: نؤخرها ونتركها بلا نسخ، كما أبقى كثيراً من أحكام التوراة في القرآن. وعلى هذه القراءة، فقد نشر على ترتيب هذا اللف قوله: { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي: من المنسوخة المبدلة كما فعل في الآيات التي شرعت في الملة الحنيفية ما فيه اليسر، ورفع الحرج والعنت، فكانت خيراً من تلك الآصار، والأغلال. وقوله: { أَوْ مِثْلِهَا } أي: مثل تلك الآيات الموحاة قبل، كما يُرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتصت الحكمة بقاءه واستمراره.
قال الراغب: فإن قيل: إن الذي تُرك ولم يُنسخ ليس مثله بل هو هو، فكيف قال: بمثلها؟ قيل: الحكم الذي أنزل في القرآن وكان ثابتاً في الشرع الذي قبلنا يصح أن يقال هو هو، إذا اعتبر بنفسه ولم يعتبر بكسوته، التي هي اللفظ، ويصح أن يقال هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه فقط بل اعتبر باللفظ، ونحو ذلك أن يقال: ماء البئر هو ماء النهر إذا اعتبر جنس الماء، وتارة يقال: مثل ماء النهر إذا اعتبر قرار الماء. على أن إرادة العين بالمثل شائعة ؛ كما في قولهم: مثلك لا يبخل.
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فهو يقدر على الخير، وما هو خير منه، وعلى مثله في الخير، قال الراغب: أي: لا تحسبن أن تغييري لحكمٍ حالاً فحالاً، وأني لم آت بالثاني في الابتداء، هو العجز، فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك. وإنما تغير ذلك يرجع إلى مصلحة العباد، وأن الأليق بهم، في الوقت المتقدم، الحكم المتقدم. وفي الوقت المتأخر، الحكم المتأخر.