التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
١٢١
-البقرة

محاسن التأويل

{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } لما ذكر تعالى، فيما تقدم، عدم رضاء اليهود والنصارى إلاَّ باتباع ملتهم، لدعواهم أنهم على حق، وأنهم مؤمنون بما لديهم - فنّد تعالى دعواهم الإيمان به بأن من أوتي الكتاب فتلاه حق تلاوته فذاك المؤمن به، والمذكورون ممن لم يتله حق تلاوته، لَمَا عدد من مساوئ اليهود أولاً، وشفعه بدعوى النصارى اتخاذ الولد، ومن كان يعتقد ذلك فأنَّى له الإيمان؟ وهل هو ممن يتلو الكتاب حق تلاوته؟ وكتابه يأمر [ في المطبوع: بأمر ] بتوحيد ربه والمشي مع شريعته وتصديق كل نبي يصدق ما معهم، وقد كفروا بكل ذلك. فجملة: { يتلونه } حال مقدرة من: { هُم } أو من: { الكتاب }. وجوَّز أن تكون الآية سيقت مدحاً لمن آمن من أهل الكتاب بالقرآن. فالضمير في: { يتلونه } للقرآن، فتكون كآية: { { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [القصص: 52 - 54]، وكآية: { { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدا } [الإسراء: 107].
ومن تلاوته حق تلاوته الإيمانُ بأنه حق من ربهم، وصبرهم ودرؤهم بالحسنة السيئة، وإنفاقهم وسجودهم له تعالى فالآيتان مفسرتان لتلاوتهم حق تلاوته.
وعن ابن مسعود: والذي نفسي بيده ! إن حق تلاوته أن يُحلّ حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزل الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله. ومثله عن ابن عباس.
وقوله تعالى: { أُوْلَئِكَ } إشارة إلى الموصوفين بإيتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه: { يُؤْمِنُونَ بِهِ } محط الفائدة ما يلزم الإيمان به من الربح، بقرينة قوله: { وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } حيث اشتروا الضلالة بالهدى.