التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
٣
-البقرة

محاسن التأويل

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } أي: يصدقون: { بِالْغَيْبِ } الغيب في الأصل مصدر غاب.
بمعنى استتر واحتجب وخفي، وهو بمعنى الفاعل - كالزور للزائر - أُطلق عليه مبالغة، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة [ في المطبوع: بداية ] العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام، والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم. كذاته تعالى، وملائكته، والجنة، والنار، والعرش، والكرسي، واللوح، ونحوها.
{ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ }، أي: يؤدونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة. كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء.
قال الراغب: إقامة الصلاة توفية حدودها، وإدامتها. وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يُرد إيقاعها فقط، لهذا لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو:
{ { أَقِمِ الصَّلاةَ } [الإسراء: 78]، وقوله: { { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ } [النساء: 162] و: { { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } [المائدة: 55]. ولم يقل: المصلي، إلا في المنافقين: { { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4 - 5] وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل - كما قال عمر رضي الله عنه: الحاجّ قليل والركب كثير - ولهذا قال عليه السلام: " من صلى ركعتين مقبلاً بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . فذكر مع قوله: " صلّى " الإقبال بقلبه على الله تنبيهاً على معنى الإقامة، وبذلك عظم ثوابه، وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه، ذكره بلفظ الإقامة، نحو: { { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ } [المائدة: 66]، ونحو: { { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ } [الرحمن: 9] تنبيهاً على المحافظة على تعديله. انتهى.
فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه. و: { الصَّلَاةَ } فعلة من صلى إذا دعا، كـ: { الزَّكَاةَ } من زكى - وإنما كتبنا بالواو مراعاة لفظ المفخّم - وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء.
{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي: يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرح لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم، على ما بيّن في آيات كثيرة.