التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
١٣٢
-النساء

محاسن التأويل

{ وَلِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ذكره ثالثاً، إما لتقرير كونه تعالى غنياً حميداً فإن جميع المخلوقات تدل، بحاجتها على غناه، وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص والكمالات، على كونه حميداً، وإما تمهيداً للاحقه من الشرطية، وهو بيان كونه تعالى قادراً على جميع المقدورات، أي: له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقاً وملكاً، فهو قادر على الإفناء والإيجاد، فإن عصيتموه، أيها الناس، فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية، وعلى أن يُوجِدَ قوماً آخرين يشتغلون بعبادته وتعظيمه، فذكر هذه الكلمات في هذا المقام ثلاث مرات لتقرير ثلاثة أمور في سياقها، كما بيّنا.
قال الرازيّ: إذا كان الدليل الواحد دليلاً على مدلولات كثيرة، فإنه يحسن ذكر ذلك الدليل ليستدل له على المدلول الثالث، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة، لأن عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى، فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والكمال، وأيضاً، فإذا أعدته ثلاث مرات، وفرعّت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الله، تنبِّه الذهن حينئذ لكون تخليق السماوات والأرض دالاً على أسرار شريفة ومطالبه جليلة، فعند ذلك يجتهد الإِنسَاْن في التفكر فيها والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى، ولما كان الغرض الكلي من هذا الكتاب الكريم صرف العقول والأفهام، عن الاشتغال بغير الله، إلى الاستغراق في معرفة الله، وكان هذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده، لا جرم كان في غاية الحسن والكمال. وانتهى.
{ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } أي: رباً حافظاً توكل بالقيام بجميع ما خلق.