التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً
٢٢
-النساء

محاسن التأويل

{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مّنَ النّسَاء } بنكاح أو ملك يمين، وإن لم يكن أمهاتكم { إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ } أي: سوى ما قد مضى في الجاهلية فإنه معفو لكم ولا تؤاخذون به { إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي: خصلة قبيحة جداً، لأنه يشبه نكاح الأمهات { وَمَقْتاً } أي: بغضاً عند الله وعند ذوي المروآت، ولذا كانت العرب تسمي هذا النكاح: نكاح المقت، وتسمي ذلك المتزوج، مقيتاً، قاله ابن سيده وقال الزجاج: المقت أشد البغض، ولما علموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال فه المقت، أُعلموا أنه لم يزل منكراً ممقوتاً. { وَسَاء سَبِيلاً } أي: بئس مسلكاً، إذ فيه هتك حرمة الأب. وقد روى ابن أبي حاتم: أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه، قيس، امرأته، فقالت: إنما أعدّك ولداً، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فقالت: إن أبا قيس توفي، فقال: " خيراً ". ثم قالت: إن ابنه قيساً خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولداً، فما ترى؟ فقال لها: ارجعي إلى بيتك، فنزلت: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم } الآية. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحْرُمُ إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل الله: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مّنَ النّسَاء إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ }. { { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } [النساء: 23].
لطيفة
قال الرازي: مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات، فقوله تعالى: { إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً } إشارة إلى القبح العقلي، وقوله: { وَمَقْتاً } إشارة إلى القبح الشرعي، وقوله: { وَسَاء سَبِيلاً }: إشارة إلى القبح في العرف والعادة، ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح، والله أعلم.
قال ابن كثير: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال. كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، من طرق، عن البراء بن عازب، وفي رواية عن عمه أنه بعثه رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن يقتله ويأخذ ماله.