التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
-النساء

محاسن التأويل

{ إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلم مِثْقَالَ ذَرّةٍ } أي: لا يبخس أحداً من ثواب عمله ولا يزيد في عقابه شيئاً مقدار ذرة، وهي النملة الصغيرة، في قول أهل اللغة.
قال ثعلب: مائة من الذر زنة حبة شعير، وهذا مثل ضربه الله تعالى لأقل الأشياء، والمعنى: إن الله تعالى لا يظلم أحداً شيئاً، قليلاً ولا كثيراً، فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس.
{ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } أي: وإن تك مثقال ذرة حسنة يضاعف ثوابها، وإنما أنث ضمير المثقال لتأنيث الخير، أو لإضافته إلى الذرة.
{ وَيُؤْتِ } أي: زيادة على الإضعاف.
{ مِن لّدُنْهُ } مما يناسب عظمته على نهج التفضل.
{ أَجْراً عَظِيماً } أي: عطاء جزيلاً، وقد ورد في معنى هذه الآية أحاديث كثيرة، منها ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في حديث الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار، وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقول أبو سعيد: اقرؤوا إن شئتم: { إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلم مِثْقَالَ ذَرّةٍ }.
وقد روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة، أي: بحسنته، ولا يخرج من النار أبداً.
قال الحافظ ابن كثير: وقد يستدل له بالحديث الصحيح إن العباس قال:
"يا رسول الله ! هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدّركِ الأسفل من النار " .
وقد يكون هذا خاصاً بأبي طالب من دون الكفار، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أنس أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: " إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة " . انتهى.
ورواه مسلم أيضاً عن أنس أيضاً مرفوعاً، ولفظه:
" إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها " .