التفاسير

< >
عرض

إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
-فصلت

محاسن التأويل

{ إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } قال الزمخشري: أي: أتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتو، والإعراض كما حكى الله تعالى عن الشيطان: { { لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } [الأعراف: 17]، يعني لآتينهم من كل جهة، ولأعلمن فيهم كل حيلة، وتقول: استدرت بفلان من كل جانب، فلم يكن لي فيه حيلة.
وحاصله جعل الجهتين كناية عن جميع الجهات، علي ما عرف في مثله. والمراد بإتيانهم من جميع الجهات، بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية، ويحتمل أن المعنى: جاءوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي، وما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل، وما سيجري عليهم. فالمراد بما بين أيديهم الزمن الماضي، وبما خلفهم المستقبل. ويجوز فيه العكس، كما ذكر في آية الكرسي: { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا } أي: إرسال رسول: { لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } أي: من السماء بما تدعوننا إليه: { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي: من عبادة الله وحده: { كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } أي: حتى نخاف عذابه، لو تركنا عبادته، أو عبدنا معه غيره. { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } أي: فيجب أن يحذر عقابه ويتقى عذابه: { وَكَانُوا بِآيَاتِنَا } أي: التي هي أقوى الدلائل: { يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } أي: لعتوهم بالقوة: { رِيحاً صَرْصَراً } أي: شديدة الصوت في هبوبها: { فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي: مشؤومات عليهم: { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ } أي: في الأخرى، كما لم ينصروا في الدنيا. تنبيه:
قال الرازي: استدل الأحكاميون من المنجمين بهذه الآية على أن بعض الأيام قد يكون نحساً وبعضهاً قد يكون سعداً؛ لأن النحس يقابله السعد، والكدر يقابله الصافي. ثم أطال الرازي في الجواب والإيراد. ولا يخفى أن السعد والنحس إنما هو أمر إضافي لا ذاتي. وإلا لكان اليوم الذي يراه المنجمون نحساً، مشؤوم الطالع على كل ما أشرقت عليه الشمس، وكذا ما يرونه سعداً، والواقع بخلاف ذلك؛ إذ اليوم النحس عند زيد، قد يكون سعداً عند بكر. بل الساعة بل الدقيقة. فأين تلك الدعوى؟ والقرآن أتى على أسلوب العرب البديع. ومن لطائفهم تسمية وقت الشدة، والبؤس بالنحس، ومقابلها بالسعد. فالنحس نحس على صاحبه، والسعد سعد على صاحبه.