التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٥
-الأحقاف

محاسن التأويل

{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَاْن بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } وقرئ: { حُسْناً }، وهذا تمهيد لمن عقهما وعصاهما في الإيمان المذكور، في قوله تعالى: { { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } [الأحقاف: 17] الآية.
{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي: ذات كره، أو حملاً ذا كره، وهو المشقة { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } أي: حمله جنيناً في بطنها، وفطامه من الرضاع: { ثَلَاثُونَ شَهْراً } أي: تمضي عليها بمعاناة المشاق، ومقاساة الشدائد لأجله، مما يوجب للأم مزيد العناية، وأكيد الرعاية، لا يقال: بقي ثلاثة أشهر، لأن أمد الرضاع حولان، لأنا نقول: إن الحولين أمد من أراد تمام الأجل، وإلا فأصله أقل منهما، كما ينبئ عنه قوله تعالى:
{ { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233]، ولئن سلم أنهما أمدها، فيكون في الآية الاكتفاء بالعقود، وحذف الكسور، جرياً على عرفهم في ذلك، كما ذكروه في حديث أنس في وفاته صلى الله عليه وسلم على رأس ستين سنة، مع أن الصحيح أنه توفي عن ثلاث وستين، كما بين في شرح الشمائل. قالوا: إن الراوي للأولى اقتصر فيها على العقود , وترك الكسور، وسرّ ذلك هو القصد إلى ذكر المهم، وما يكتفي به فيما سيق له الكلام، لا ضبط الحساب، وتدقيق الأعداد.
قال ابن كثير: وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان:
{ { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14]، وقوله تبارك وتعالى: { { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي: استحكم قوته، وعقله: { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي: ألهمني: { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ } أي: بالهداية للتوحيد، والعمل بطاعتك، وغير ذلك { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي } أي: واجعل الصلاح سارياً في ذريتي، راسخاً فيهم: { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } أي: من ذنوبي التي سلفت مني: { وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي: المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك.