{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } أي: مكنّا عاداً، وآتيناهم من كثرة الأموال وقوة الأجسام، فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا، على أن: إن شرطية محذوفة الجواب. والتقدير: ولقد مكناهم في الذي، أو في شيء، إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. وقيل: هي صلة كما في قوله:
يُرَجَّى الْمَرْءُ مَاْ إِنْ لَاْ يَرَاْهُ وَيَعْرِضُ دُوْنَ أَدْنَاْهُ الْخُطُوْبُ
قال الزمخشري: والوجه هو الأول. ولقد جاء عليه في غير آية في القرآن: { { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً } [مريم: 74]، { { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً } [غافر: 82] وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار.
قال الناصر: واختص بهذه الطائفة قوله تعالى: { { وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [فصلت: 15]، وقوله: { { مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } [الأنعام: 6] أي: والأصل توافق المعاني في الآي الواردة في نبأ واحد. على ما فيه أيضاً من سلامة الحذف، والزيادة.
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } قال الطبري: أي: جعلنا لهم سمعاً يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصاراً يبصرون بها حجج الله، وأفئدة يعقلون بها ما يضرهم، وينفعهم { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ } أي: لأنهم لم يستعملوها فيما خلقت له، بل في خلافه: { إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } أي: من العذاب.
قال الطبري: وهذا وعيد من الله عز وجل ثناؤه، لقريش. يقول لهم: فاحذروا أن يحل بكم من العذاب على كفركم بالله، وتكذيبكم رسله، ما حلّ بعاد، وبادروا بالتوبة قبل النقمة.
لطيفة:
قال الشهاب: أفرد السمع في النظم، وجمع غيره، لاتحاد المدرك به، وهو الأصوات، وتعددت مدركات غيره، ولأنه في الأصل مصدر، وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد.