التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
-المائدة

محاسن التأويل

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } روى ابن أبي حاتم؛ أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود فقال: اعهد إليّ ! فقال: إذا سمعت الله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فأرعها سمعك، فإنه خير يُأمر به، أو شر يُنهى عنه.
و ( الوفاء ) ضد الغدر، كما في " القاموس " وقال غيرة: هو ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء. يقال: وفى بالعهد وأوفى به.
قال ناصر الدين في " الانتصاف ": ورد في الكتاب العزيز: { وَفَّى } بالتضعيف في قوله تعالى:
{ { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [االنجم: 37]، ورد: { أَوْفَى } كثيراً. ومنه: أوفوا العقود.
وأما: { وَفَّى } ثلاثياً، فلم يرد إلا في قوله تعالى: { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ } [التوبة: 111]، لأنه بنى أفعل التفضيل من: { وَفَّى } إذ لا يبنى إلا من ثلاثيّ.
و ( العقود ) جمع عقد وهو العهد الموثق. شبه بعقد الحبل ونحوه، وهين عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف.
قال عليّ بن طلحة: قال ابن عباس: يعني بالعهود ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كلّه، ولا تغدروا ولا تنكثوا. وقال زيد بن أسلم: العقود ستة: عهد الله وعقد الحلف وعقد الشركة وعقد البيع وعقد النكاح وعقد اليمين. قال الزمخشريّ: والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه، من تحليل حلاله وتحريم حرامه. وأنه كلام قديم مجملاً. ثم عقب بالتفصيل. وهو قوله: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } البهيمة ما لا عقل له مطلقاً، من ذوات الأرواح أو ذوات الأربع.
قال الراغب: خص في المتعارف بما عدا السباع والطير، وإضافتها للأنعام، للبيان كثوب الخز. وإفرادها لإرادة الجنس. أي: أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام. جمع ( نَعَم ) محركة وقد تسكن عينه. هي الإبل والبقر والشاء والمعز: { إِلَّا مَا يُتْلَى } يعني: رخصت لكم الأنعام كلها. إلا ما حرم عليكم في هذه السورة، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك.
وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبَحيرة.
فأخبر الله تعالى أنهما حلالان، إلا ما بين في هذه السورة، ثم قال: { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُم ْحُرُم } يعني: أحلت لكم هذه الأشياء. من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون. فـ: { غَيْرَ } صب على الحالية من ضمير ( لكم ). قال في " لعناية ": ولا يرد ما قيل: إنه يلزم تقيد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد هم حرم. وهي قد أحلت لهم مطلقاً. ولا يظهر له فائدة، إلاَّ إذا عنى بالبهيمة الظباء وحمر الوحش وبقره، لأنه - عدم اطراد اعتبار المفهوم - يعلم منه غيره بالطريق الأولى. لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم، فكيف في غير هذه الحال؟ فيكون بياناً لإنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك. وبياناً لأنهم في غنيةٍ عن الصيد وانتهاك حرمة الحرم. وفي " الإكليل ": في الآية تحريم الصيد في الإحرام والحرم. لأن: { حُرُماً } بمعنى محرمين، ويقال: أحرم أي: بحجٍّ وعمرةٍ. وأحرمََ: دخل في الحرم. انتهى. قال بعض الزيدية: والمراد بالصيد المحرّم على المحرم. هو صيد البر. لقوله في هذه السورة:
{ { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } [المائدة: 96]، هذا إذا جعل ( حرم ) جمع ( محرم ) وهو الفاعل للإحرام، وإن جعل للداخل في الحرم، استوى تحريم البحريّ والبرّي. وذلك حيث يكون في الحرم نهر فيه صيد فيحرم، لقوله تعالى: { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا } [آل عِمْرَان: 97]. لأنه يقال لمن دخل الحرم، أنه محرم. كما يقال: أعرق وأنجد: إذا دخل العراق ونجداً. ويكون التحريم في مكة وحرم المدينة لما ورد من الأخبار في النهي عن صيد المدينة وأخذ شجرها. نحو: المدينة حرم من عير إلى ثور. انتهى.: { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } من تحليل وتحريم. وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه.