التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ
١٤
-الأنعام

محاسن التأويل

{ قُلْ } أي: لكفار مكة المبكَّتين بما تقدم: { أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } أي: معبوداً. كقوله تعالى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ }. والمعنى: لا أتخذ ولياً إلا الله وحده { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }. أي: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق. بالجر، صفة للجلالة، موكدة للإنكار { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } أي: يَرْزُق ولا يُرْزَق، أي: المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع. أي: فيجب اتخاذه وليّاً ليُعبد شكراً على إنعامه، وكفايته الحوائج بلا طلب عوض. قيل: المراد بالطعم الرزق، بمعناه اللغويّ. وهو كل ما يُنتفع به، بدليل وقوعه مقابلاً له في قوله تعالى: { { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57]. فعبر بالخاص عن العام مجازاً، لأنه أعظمه وأكثره، لشدة الحاجة إليه. واكتفى به عن العام، لأنه يعلم، من نفي ذلك، نفي ما سواه.
{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أي: وجهه لله مخلصاً له، لأصير متبوعاً للباقين. كقوله:
{ { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 163]. وكقول موسى: { { سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 143].
{ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أي: وقيل لي: { وَلا تَكُونَنَّ }. فهو معطوف على: { أُمِرْتُ } بمعنى: أُمرت بالإسلام، ونُهيت عن الشرك صريحاً مؤكداً، بعد النهي في ضمن الأمر. ونهي المتبوع نهي التابعين. ويجوز عطفه على: { قُلْ }. وفي الآية إرشاد إلى أن كل آمر ينبغي أن يكون عاملاً بما أمر به. لأنه مقتداهم. قيل: هذه الآية للتحريض، كما يأمر الملك رعيته بأمر، ثم يقول: وأنا أول من يفعل ذلك، ليحملهم على الامتثال.