التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ
٥٧
-الأنعام

محاسن التأويل

{ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } أي: على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها إليّ، لا يمكن التشكيك فيها: { وَكَذَّبْتُمْ بِهِ } استئناف أو حال، والضمير للبينة. والتذكير باعتبار المعنى المراد. أعني: الوحي، أو القرآن، أو نحوهما { مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي: من العذاب.
قال أبو السعود: استئناف مبين لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأً لتكذيبهم بالبينة، وهو عدم مجيء ما وعد فيها من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم:
{ { مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48]؟ بطريق الاستهزاء، أو بطريق الإلزام، على زعمهم. أي: ليس ما تستعجلونه من العذاب الموعود في القرآن، وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيبه، في حكمي وقدرتي، حتى أجيء به، وأظهر لكم صدقه. أو ليس أمره بمفوّض إليّ.
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } أي: لو كان عندي لكنت أنا الحاكم، لكن ما الحكم في ذلك تعجيلاً وتأخيراً إلا لله، وَقَدْ حَكَمَ بتأخيره، لما له من الحكمة العظيمة، لكنه محقق الوقوع لأنه: { يَقُصُّ الْحَقَّ } أي: يبينه بياناً شافياً { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } أي: القاضين بين عباده.
لطيفة
قُرئ: { يَقُصُّ الْحَقَّ } بالضاد، وانتصاب الحق على المصدرية، لأنه صفة مصدر محذوف قامت مقامه. أو على المفعولية، بتضمين ( يقضي ) معنى ( ينفذ )، أو هو متعد من ( قضى الدرع ) إذا صنعها. قال الهذلي:

وعليها مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا داودُ أو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ

قال الرازي: واحتج أبو عمر على هذه القراءة بقوله: { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } قال: والفصل يكون في القضاء، لا في القصص. وأجاب أبو عليّ الفارسي. فقال: القصص هاهنا بمعنى القول، وقد جاء الفصل في القول. قال تعالى: { { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } [الطارق: 13]. وقال: { { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [هود: 1] وقال: { { نُفَصِّلُ الْآياتِ } [الأعراف: 32]. انتهى.
قال الشهاب: معنى ( يقصه ) أي: يبيّنه بياناً شافياً، وهو عين القضاء.